من كوت ديفوار غربًا إلى إثيوبيا شرقًا، تعد أفريقيا موطنًا لبعض الاقتصادات الأسرع نموًّا في العالم. وكثيرًا ما تدعي المناقشات دخول القارة حقبة جديدة من الازدهار الاقتصادي، والابتكار، والفرص الاجتماعية. لكن وراء هذه الضجة، ما زال الملايين من الناس يعانون فقرًا شديدًا، أس منشئه مشكلة مزمنة، ألا وهي الافتقار إلى الطاقة. هل مفتاح الحصول على الطاقة في أفريقيا يكمن في الطاقة الكهرومائية؟
ويضفي النمو السكاني السريع عبئًا إضافيًّا على خدمات الطاقة، إذ يقول البعض إن عدد سكان القارة سيتجاوز أربعة مليارات بحلول نهاية القرن.
يضاف إلى ذلك أن الحصول على الكهرباء محدود، وغير منتظم على حد سواء. فالمراكز الاقتصادية، مثل مصر، لديها تغطية شبه كاملة من الكهرباء، ولكنها لا تزال شحيحة في بلدان مثل تشاد، وليبيريا، فضلاً عن جنوب السودان، حيث لا يحصل سوى 1.5٪ من الناس على هذه الطاقة. وبالمثل تبدو الصورة قاتمة إذا خطوت خارج مدن القارة، حيث لا يتجاوز معدل توصيل الكهرباء إلى قرى الريف 27.8٪.
المصدر: البنك الدولي عام 2014م
وفي مواجهة فقر الطاقة المستشري، تُقبل الحكومات الأفريقية بشكل متزايد على مصادر الطاقة المتجددة؛ بهدف تحفيز التنمية وتحسين حياة الناس وسبل العيش. وحجر الزاوية في هذا التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة هو الطاقة الكهرومائية.
لكن البيانات تُظهر صورة مختلفة، حيث تنتج الطاقة الكهرومائية أكثر من ثلاثة أرباع الطاقة المتجددة المنتجة في العالم كل عام. فضلاً عن أن انبعاثات الكربون –على مدى دورة الحياة الكاملة لبناء المحطات، وتشغيلها، ووقف التشغيل– غالبًا ما تكون أقل بكثير من المصادر المتجددة الأخرى كافة، ويتضمن ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وفي أنحاء أفريقيا، تعد الطاقة الكهرومائية مسؤولة عن 84٪ من استخدامات الطاقة من الوقود غير الأحفوري. لكن في قارة غنية بالبحيرات والأنهار، تكون فرص التوسع في استغلال الطاقة الكهرومائية هائلة.
نسبة الطاقة المتجددة الإجمالية المولدة من الطاقة الكهرومائية في عام 2012
نسبة استخدام الأفارقة للطاقة من الوقود غير الأحفوري في عام 2013
نسبة استخدام الأفارقة للطاقة الكهرومائية من إجمالي الوقود غير الأحفوري في عام 2013
من منبعه في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية حتى الدلتا في مصر، يقطع النيل ما يقرب من 7000 كيلو متر عبر موائل تشمل جبالاً، وغابات استوائية، وصحاري، وسافانا، وأراضيَ رطبة، كثير منها غني في تنوعه الحيوي. ويغطي حوض تصريفه (المستجمع المائي) نحو عُشر مساحة أفريقيا، وتتشارك فيه عشر دول.
ومنذ آلاف السنين، اعتمد الذين يعيشون بجوار النهر عليه. وتطورت الزراعة وفقًا لأنماط هطول الأمطار، وبنى الناس سدودًا صغيرة؛ لتسخير مياه النهر في ري المحاصيل. وفي الآونة الأخيرة، شرعت الحكومات في استخدام النهر لإنتاج الكهرباء.
وعلى الرغم من طوله، يحمل النيل كمية قليلة نسبيًّا من الماء؛ لأنه غالبًا ما يتدفق عبر مناطق قاحلة حيث تندر الأمطار أو المياه التي تتسرب إلى باطن الأرض. كما أن التنوع الحيوي للنهر عرضة لتغير المناخ؛ فارتفاع درجات الحرارة يغير الدورات الموسمية للنيل، مما يزيد من احتمالات الجفاف، فضلاً عن زيادة البخر من البحيرات.
وعند التخطيط لبناء سد بغرض توليد الطاقة الكهرومائية على نهر كبير مثل نهر النيل ينبغي مراعاة هذه العوامل البيئية، رغم ما قد يؤدي إليه ذلك من إعاقة للعمل أو زيادة في التكاليف الأولية. ويجب على الباحثين دراسة كيفية تكامل دورة المياه في المنطقة مع التنوع الحيوي ومعيشة السكان المحليين، وتضمين نتائجهم في التصميم المقترح.
ومن شأن التقييمات البيئية التي تلتزم المعايير الدولية المساعدة في تخفيف حدة بعض المنازعات المرتبطة بمشاريع السدود، مثل تلك المتعلقة بإدخال تعديلات على تدفق المياه. وقد أُجرِيت تقييمات لسد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، الذي يمثل محطة طاقة كهرومائية ضخمة يجري بناؤها على النيل الأزرق، أحد رافدي النهر الرئيسين. لكن ثمة ناقدين يقولون إن التقييمات تفتقر إلى التفاصيل، وتعجز عن تلبية المعايير الدولية.
يجري بناء سد النهضة في منطقة بني شنقول- قماز في إثيوبيا، بعد الحدود السودانية مباشرة صوب المنبع. وعند الانتهاء منه في عام 2017، من المقرر أن يبلغ ارتفاعه 145 مترًا، أي قدر ارتفاع شلالات فيكتوريا مرة ونصف، مما يجعله أعلى سد في أفريقيا.[1] وأن يحتوي خزانه على 74 مليار متر مكعب من الماء، أي تقريبًا 13 ضعف استهلاك إثيوبيا السنوي من المياه. وتتوقع الحكومة الإثيوبية أن ينتج السد ستة جيجاوات من الطاقة عندما يبلغ الإنتاج ذروته. هذا سيضاعف إنتاج إثيوبيا من الكهرباء –الذي يبلغ حاليًّا أقل من ثلاثة جيجاوات– بثلاث مرات تقريبًا.
وغالبًا ما ينقسم الرأي حول مشاريع الطاقة الكهرومائية. من ناحية، يمكنها توفير طاقة نظيفة وفيرة لنحو 50 عامًا دون صيانة كبرى. وعلى خلاف مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فهي تنتج الطاقة بشكل مستمر.
لكن التكاليف الأولية لتصميم السدود الكبيرة -مثل سد النهضة- وبنائها مرتفعة. وتأثير ذلك على السكان المحليين قد يكون قاسيًا، وخاصة بالنسبة لأولئك المهجرين من منازلهم. وفي حالة سد النهضة، يمكن أيضًا أن تتأثر اقتصادات دول المصب والتنوع الحيوي فيها، يتضمن ذلك مصر والسودان. وفي الأطر التالية تفسير ذلك.
المصادر: شراكة الطاقة لأفريقيا – الاتحاد الأوروبي / الحكومة الإثيوبية
ويُجري علماء في منظمة حكومية دولية، المكتب الفني الإقليمي للنيل الشرقي في إثيوبيا، تقييمًا للآثار المحتملة لمختلف أوقات ملء الخزان على تدفق المياه باتجاه المصب؛ بغرض إطلاع صناع القرار في الدول الثلاث على كيفية تأثر ري المحاصيل وإنتاج الطاقة التي تعتمد على النيل. وقد كلفت شبكة SciDev.Net المكتب بإعداد تقرير عن بعض الآثار الرئيسة (انظر ’للاستزادة‘ أدناه)، وتشكل هذه الدراسة أساسًا للرسم التفاعلي التالي.
تقلد دور صانعي القرار كي ترى كيف ستؤثر سيناريوهات الملء المختلفة على إنتاج الطاقة، والزراعة، والاقتصادات في الإقليم.
حرك الزر الموجود بالأعلى لرؤية التأثير المحتمل على كل من مصر وإثيوبيا والسودان حال تعبئة خزان سد النهضة الإثيوبي الكبير على مدى خمس سنوات، أو ست، أو سبع، وهي سيناريوهات ملء الخزان الأكثر احتمالاً. استخدم الأزرار الثلاثة الموجودة على اليسار للتبديل بين التأثيرات المختلفة التي تنعكس على هذه البلدان. ولمعرفة المزيد عن هذه الآثار، قف بالمؤشر على الأزرار. مصدر هذه البيانات نموذج للتنبؤ يستند إلى إنتاج السد العالي في أسوان، مصر.
المصدر: ويكيبيديا
وعلى الرغم من أن التقدم في تطوير محطات الطاقة الكهرومائية كان محدودًا منذ عام 2010 –في أعقاب طفرة عام 2009، عندما شرعت عدة محطات في إنتاج الطاقة– ما زال كثير منها في طور التخطيط على أنهار أفريقيا الرئيسة، ويتضمن ذلك نهر الكونغو.[3] وإذا اكتمل بناء كل هذه المحطات، ستكون مجتمعة قادرة على توليد 27 جيجاوات من الكهرباء تقريبًا. ومن المقرر الانتهاء من المحطات الست -التي تتجاوز قدرة كل منها 1 جيجاوات- وتشغيلها بحلول عام 2020. وستقام ثلاث منها –من بينها سد النهضة – في إثيوبيا، واثنتان في أنجولا، وواحدة في موزمبيق.
ولمجابهة هذه التحديات، تعمل منظمات الطاقة الكهرومائية الدولية وبنوك التنمية على تطوير معايير استدامة: وهي مبادئ توجيهية من شأنها تقييم الموارد المائية في القارة، وتقدير احتياجاتها من الطاقة، ويمكن أن تساعد كذلك على صياغة خطط الطاقة الكهرومائية المستقبلية في أفريقيا.
ويُرجى من وضع هذه المعايير موضع التطبيق أن تصير أفريقيا قادرة على زيادة إنتاجها من الطاقة، في ظل الحفاظ على مواردها المائية، وحماية شعوبها، وسبل العيش. وقد تكون العقود القليلة القادمة فاصلة بالنسبة لمستقبل المياه، والطاقة، والشعوب في أفريقيا.