Skip to content

26/08/14

أزمات المياه في العالم العربي مفتعلة

public waters. Sanaía, Yemen
حقوق الصورة:Flicker/ Foad Al Harazi / World Bank

نقاط للقراءة السريعة

  • الاستدامة في إدارة الموارد المائية، تجنب المنطقة ويلات الصراعات
  • الصراعات على المياه جيوسياسية، الحلول المانعة لها حلول جيوسياسية، غير تقليدية
  • جميع الدول العربية لها مصدر آخر من مصادر المياه غير المتاحة؛ الدائمة والوفيرة

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يقول محمد الحاج إن سوء إدارة الموارد المائية في دوله هو سبب أزمات المياه به

 تقع دول الوطن العربي في بيئات قاحلة وشبه قاحلة؛ مناخها يتراوح بين شديد الحرارة صيفا والبارد شتاءً، وأمطاره موسمية متفرقة، وشحيحة في معظم أيام السنة.

Debate image table

وتتصف هذه الدول الوطن بندرة مواردها من المياه العذبة، فعدد الأنهار الجارية والبحيرات العذبة فيها قليل جدا، ثلاثة فقط من الأنهار الرئيسية وهي نهر النيل ونهري دجلة والفرات، وعدد من الأنهار الفرعية التي تجري في كل من بلاد الشام والمغرب. وحظها من البحيرات لا يزيد على بحيرتي ناصر وطبريا فقط. ولا تكفي هذه الموارد دولَ المنطقة احتياجاتِها المتزايدة من المياه العذبة.

من ثم قد تنشأ صراعات بين الدول المشتركة في مصادر المياه؛ بسبب عجزها عن تلبية احتياجات هذه الدول كلها في آن واحد، وقد شهد العقد المنصرم عددًا من الصراعات الإقليمية.

والموارد المائية العابرة لحدود دولة أو أكثر تكون إدارتها مهمة صعبة دائمًا، ذلك أنها تحتاج إلى كثير من التعاون والتكامل بين الدول المشتركة في مصادر المياه. والأنهار الرئيسية في الوطن العربي المثال الأوضح على هذا.

فإذا ما نشأت صراعات إقليمية، عادة ما تفشل الحلول التقليدية في حلها؛ لما تتسم به الصراعات من طبيعة ديناميكية متغيرة، ما يدعو إلى إيجاد حلول غير تقليدية تضمن الحفاظ على مفهوم الاستدامة في إدارة الموارد المائية، وتجنب المنطقة عواقب الخلافات والصراعات.
 
الإتاحة والاستدامة

إن الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية يجعل من أنظمتها الحيوية وغير الحيوية أنظمة مغلقة، فلا تنقص مثلا كمية المياه على سطح الأرض أو تزيد، وإنما تتغير حالتها أو جودتها فحسب، لهذا لم تكن هناك مشكلة في كمية المياه ولن تكون، بل تكمن المشكلات في كونها متاحة أو غير متاحة.

والمقصود بالمصدر المتاح هو المصدر الذي يضمن الاستخدام المباشر للمياه دون الحاجة إلى جهد أو معالجة، فمثلا يعتبر بخر الماء في الغلاف الجوي مصدرًا من مصادر المياه غير المتاحة، ويحتاج إلى كثير من المجهود لجعله متاحا. وأيضا تعتبر مياه الصرف، خاصة المنزلي والزراعي منها من مصادر المياه غير المتاحة؛ إذ تحتاج إلى مراحل متعددة من المعالجة لتصير صالحة للاستخدام الآدمي.

استنادا إلى ما سبق ذكره، نقرر حقيقة بعد طرح سؤال: هل أزمات المياه في الوطن العربي حقيقية أم مفتعلة؟ وما من إجابة واحدة قاطعة لمثل هذا التساؤل، لكن يمكن القول بأنها مفتعلة بسبب سوء إدارة الموارد المائية في دولها.

ويجدُر هنا التعمق قليلا لتوضيح أن المستهلك الرئيس للموارد المائية في الوطن العربي هو قطاع الزراعة، حيث يستأثر وحده بما قد يصل إلى 80% من إجمالي الموارد المائية المتاحة في بعض دول المنطقة، وذلك بالطبع لتوفير الأمن الغذائي.

وللمياه المعتمد عليها في السياسات الزراعية بالدول العربية مصدران رئيسان هما الأنهار والمياه الجوفية. ومياه الأنهار تعاني ترديًا في جودتها بسبب العائد إلى مجاريها من مياه الصرف الزراعي، التي غالبا ما تكون معالجة جزئيا، وفي بعض الأحيان غير معالجة على الإطلاق. أما المياه الجوفية فإنها تعاني الاستنزاف الجائر لمخزونها.

 والمقصود بالاستنزاف الجائر هو الإخلال بمفهوم الاستخدام المستدام لمخزون المياه الجوفية، الذي يستلزم كثيرًا من الدراسات الحقلية لحساب معدل تسرب المياه السطحية وكميات المياه المضافة إلى الخزانات الجوفية بمختلف أنواعها، مقارنة بمعدلات سحب المياه من تلك الخزانات.

وتعد المياه الجوفية من المصادر غير المتجددة، وهذا ليس دقيقا بالمفهوم العلمي المجرد، بل هو وصف مجازي، ولبطء تجدد المياه الجوفية عن طريق تسرب المياه السطحية من أمطار وأنهار وبحيرات إلى الخزانات الجوفية مرة أخرى.

يتبين مما سبق أن حسابات تسرب المياه السطحية أحد أهم العوامل المطلوبة للإبقاء على الاستخدام المستدام للمياه الجوفية.
 
حلول غير تقليدية

ومن أجل تفادي الصراعات الإقليمية الجيوسياسية بين دول المنطقة، يتحتم على المشترك منها في مصدر من مصادر المياه المتاحة، الحفاظ عليه بالعمل المشترك على مبدأ التكامل والتكافل. وحيث إن الصراعات الناشئة عن ندرة الموارد المائية هي صراعات جيوسياسية فالحلول المانعة لها حلول جيوسياسية.

ومن أبرز ما استُخدم من تطبيقات حديثة غير تقليدية لحل مثل هذه المشكلات: تطبيقات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، التي تُستخدم بالفعل في بعض دول المنطقة، لكنها لا تتعدى المستوى المحلي إلى المستوى الإقليمي.

واستخدام مثل هذه التطبيقات الحديثة يتيح الفرصة لإعادة توزيع حصص المياه بطريقة تضمن الأمن المائي لتلك الدول دون اللجوء إلى منازعات الهيمنة على مصادر المياه، ومحققة مفاهيم الاستخدام المستدام لمصادر المياه بألا تتعدى معدلات المطلوب من المياه ما هو متاح منها.

والواقع أن وصف الدول العربية بالنقص في موارد المياه وصف قاصر سطحي؛ إذ رغم محدودية مصادر المياه المتاحة (العذبة) بها، فإن جميعها دول ساحلية، أي أن لها مصدرًا آخر من المصادر الدائمة والوفيرة من المياه غير المتاحة.

يستلزم ذلك أن تسعى الدول وراء تحويلها إلى مصادر متاحة، وفي المنطقة دولة تمتلك أكبر محطة لتحلية مياه البحر عن طريق استخدام الأغشية البلازمية، بقدرة إنتاجية تفوق خمسمائة مليون متر مكعب سنويا، وهي المحطة الكبرى في الشرق الأوسط.

إن تقنيات تحلية مياه البحر باستخدام الأغشية البلازمية باتت هي التقنية الأمثل والأنظف؛ إذ لا تتطلب سوى عكس الضغط الأسموزي لمياه البحر بضغط ميكانيكي أكبر. وهنالك دول رائدة بهذا المجال في العالم، تمتلك مثل هذه التقنيات، وقطعت أشواطا بعيدة متعددة من الدراسة والبحث والابتكار فيه. بهذا تكون مهمة الدول العربية المعنية هي اختيار ما يتناسب واحتياجاتها من المياه وتطويره.
 
المقال مقدمة لحلقة نقاشية حية بعنوان: ”حروب المياه في إقليمنا.. هل بدأت؟“. ستُعقد الحلقة النقاشية يوم الاثنين 1 سبتمبر من 12:00 وحتى 2:00 ظهرًا بتوقيت مكة المكرمة.



** محمد الحاج: أستاذ نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد المساعد؛ بكلية الأرصاد والبيئة وزراعة المناطق الجافة في جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا