Skip to content

06/04/16

حول العالم العربي.. إهدار مياه الصرف الصحي!

sewage system
حقوق الصورة:Flickr/ Triratna_Photos

نقاط للقراءة السريعة

  • مياه الصرف الصحي ليست شيئًا معدوم القيمة يتوجب التخلص منه
  • مياه الصرف الصحي المعالجة إحدى أهم ركائز تنمية المجتمعات الصحراوية في المستقبل
  • لا بد من استراتيجية للاستفادة التنموية من مياه الصرف الصحي المعالجة

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

أيقنت خلال رحلتي الطويلة في بحوث الموارد المادية المتجددة بأنه ليس ثمة موردٌ بلا قيمة، وأن حكمنا على مورد ما بأنه بلا قيمة حكم على أنفسنا: إما بالجهل أو بالعجز، أو بكليهما معًا.

 دورُنا –نحن العاملون في حقل البحوث العلمية والتكنولوجية– أن نكتشف، وبتعبير أدق أن نعيد اكتشاف ما أنعم الله به علينا من موارد، ونقدِّم من خلال رحلة الاكتشاف هذه طبعة عصرية لما تحوزه مجتمعاتنا المحلية والقومية من موارد في أيديهم، وأحيانًا تحت أرجلهم.

وينصب هذا المبدأ على المياه الحاملة للفَضَلات والنفايات التي مصدرها المساكن والمباني التجارية والحكومية والمؤسسات، وما يصلها من مياه الرشح من المياه الجوفية ومن المخلفات الصناعية، وللأسف تُلقي المصانع في بعض الدول العربية المياهَ التي تستخدمها دون أي معالجة في شبكة الصرف أو في المجاري المائية.

إذن الواقع أننا أمام مورد متجدد ومتاح سنويًّا بكميات وفيرة، يستدعي منا التعامل معه بما يستحق من اهتمام وجدية.
 
هناك مثل ياباني يقول: ”عمل بلا رؤية كارثة، ورؤية بلا عمل أحلام يقظة“، وهذا يصدق على علاقتنا بمياه الصرف الصحي. النظرة السائدة بين الجهات الحكومية المعنية، وكذلك بين المواطنين أنها شيء معدوم القيمة يتوجب التخلص منه.
 
ففي حين كان من المفروض أن تنظر الدول لمياه الصرف الصحي من منظور التكلفة والعائد؛ اقتصرت نظرتها لخدمة الصرف الصحي على التكلفة فقط؛ مما حولها في إدراك الدولة إلى عبء ثقيل عليها تحمُّله، دون التفكير في أي عائد يُنتظر من هذا المورد.
 
هنا اتَّخذت الدول الموقف التقليدي والسائد: وهو محاباة سكان المدينة بإنشاء شبكات للصرف الصحي، وإهمال سكان الريف؛ لأن صوت سكان المدينة عالٍ، وهم يستطيعون أن يعبِّروا عن حاجاتهم من خلال وسائل الإعلام التي تُدار بشكل مركزي، وأن يمارسوا ضغوطًا كبيرة ومتنوعة على متخذ القرار، في حين أن سكان الريف ذوو صوت خفيض، وغير قادرين على التأثير أو الضغط على صانع القرار: الدولة.
 
لقد أدى هذا الوضع إلى قيام سكان الريف بتدبير الوسائل التي في قدرتهم للتخلص من مياه الصرف الصحي. هكذا انتشر في الريف نظام الترنشات أو الخزانات (مرحاض الحفرة)، سواء المغلقة أو المفتوحة، ويجري كسح الخزانات المغلقة دوريًّا لإلقائها في المجاري المائية أو الصحراء، أو نقلها لمحطات المعالجة.
 
استخدام الترنشات المفتوحة يؤدي إلى تسرب مياه الصرف الصحي للأرض، ووصولها إلى الآبار السطحية التي كثيرًا ما يعمد السكان إلى دقِّها لعمق 8– 10 م للحصول على ماء الشرب أو لزيادة حصتهم من ماء الري، فتلوِّثها وتجعلها مصدرًا لانتشار الأمراض.
 
نظرة جديدة

نحن ننحدر في إقليمنا نحو المزيد من الشح المائي، وهو ما يدفعنا دفعًا إلى البحث عن كافة البدائل المحلية من المياه: سواء الجوفية بدرجات ملوحتها المختلفة، وكذلك مياه الصرف الصحي بعد معالجتها؛ لتغطية احتياجاتنا في المستقبل.
 
نحن أمام إمكانات كبيرة للتنمية؛ لا في الأنشطة الزراعية المتعلقة باستخدام النوعيات المختلفة لمياه الصرف الصحي المعالجة فحسب، بل كذلك في الصناعات التي يمكن أن تقوم عليها، بدءًا من تصنيع العطور من الزهور المزروعة على المياه المعالجة، وحتى تصنيع الأخشاب المزروعة على تلك المياه.
 
ولعل تصنيع العطور من الزهور المزروعة على مياه الصرف الصحي المعالَجة قد يسهم في تغيير اتجاهات المواطنين، من النظر باشمئزاز وتأفف لمياه الصرف الصحى إلى النظر إليها باعتبارها موردًا يمكن أن يسهم في التنمية وايجاد فرص عمل وفيرة.

علينا أن ننظر بروح التكامل بين المجالات الزراعية المختلفة القائمة على مياه الصرف الصحي المعالجة؛ فالمستثمر قد يتحفظ فى الإقدام على زراعة الأشجار الخشبية تجنبًا لطول الوقت الذي ينقضي حتى تكون الغابة منتجة، رغم أن نتائج البحوث والمشروعات قد أكدت أن زمن الاستجابة في حالة زراعة الأشجار الخشبية في مصر على مياه الصرف الصحي المعالجة يقل جدًّا عن مثيله في ألمانيا وأوروبا.
 
فالعمر المنتج للغابات لديهم يتراوح بين 80 – 250 سنة، في حين أن زراعات الغابات الشجرية في مصر تنمو بمعدل 4.5 مرات أسرع، ولا يرجع الأمر إلى شدة سطوع الشمس في مصر بالمقارنة بألمانيا فحسب، بل كذلك إلى المحتوى العالي لمياه الصرف الصحي من عناصر التغذية الأولية التي يحتاجها النبات: النيتروجين والفوسفور.]1[
 
وقد أكدت تجارب المشروع الإرشادي لزراعة الغابات على مياه الصرف الصحي المعالجة، الذى أقيم بالتعاون مع ألمانيا في محافظة الإسماعيلية شمال شرق مصر، أن معدل النمو في ظروف الصحراء بلغ بعد 7 سنوات فقط 15 مترًا.]2[
 
وحتى لا يتذمر المستثمر من طول الانتظار مدة 7 سنوات أو أكثر حتى تصل الغابة إلى الإنتاج الاقتصادي، من الممكن له أن يعمل على الدمج بين زراعة الغابات والمحاصيل الحقلية التي يمكن زراعتها على مياه الصرف المعالجة، إذ زمن نموها أقل، وبالإضافة للعائد الاقتصادي المباشر من المنتَج الزراعي هناك البعد البيئي، المتمثل في قدرة النباتات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون ، مما يوفر دخلاً إضافيًّا للمستثمر يتمثل في بيع الكربون الذي ستختزنه تلك الغابات.
 
وتمثل مياه الصرف الصحي المعالجة إحدى أهم ركائز تنمية المجتمعات الصحراوية في المستقبل: فهناك أولاً: حاجة لعمل مصدات رياح؛ لحماية الزراعات الحقلية من هبوب الرياح ومن العواصف الرملية، هنا تمثل الأحزمة الشجرية الخضراء ضرورة لنجاح هذه الزراعات، كذلك يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة كمياه رى للعديد من المحاصيل، مما يوفر قاعدة مادية لقيام العديد من الصناعات عليها، أي أن الزراعة على هذه المياه والأنشطة الصناعية والتجارية المرتبطة بها يمكن أن تمثل قاعدة اقتصادية مستدامة لنجاح تنمية المجتمعات الصحراوية في المستقبل.

استراتيجية للاستفادة تنمويًّا

أتوقع من أي استراتيجية توضَع للاستفادة التنموية من مياه الصرف الصحي المعالجة أن تضع آليات محددة للتنسيق بين كافة الأطراف المعنية بإدارة هذا المورد، وأن تضع مخططًا عامًّا للأراضي الممكنة زراعتها بمياه الصرف الصحي، وكذلك مخططًا للمواقع والنوعيات المتاحة للاستخدام؛ للري من مياه الصرف الصحي المعالجة، وكذلك بدائل التركيب المحصولي المقترح وفقًا لنوعيات التربة وخصائص المياه وظروف مختلف المناطق بالدولة واحتياجاتها، ليس ذلك فحسب، بل خريطة توزيع المدارس الثانوية الفنية في عواصم المحافظات لتخريج الفنيين في مجالات معالجة المياه وضبط جودتها في محطات مياه الشرب والصرف الصحي، وكذلك في مجالات تشغيل هذه المحطات وصيانتها.

عودتنا الحكومات أن نقف موقف المتفرج عليها وهي تعمل منفردة، مما لا يتمشى إطلاقًا مع معايير الاستدامة، لم لا نحوِّل ’خدمة الصرف الصحي‘ من منتج جاهز توفره الحكومة لمختلف المناطق إلى مشروعات يقيمها المبادرون في كل منطقة؟ نعلم أن جهات ممولة أجنبية تعطي منحًا تُقدَّر بالمليارات من الدولارات للحكومات لتنفيذ تلك المشروعات، ولا يصل منها إلى الأرض إلا الفتات نتيجة للتعقيدات الروتينية، وارتفاع تكاليف التكنولوجيات المستوردة
التي يعود الشطر الأكبر من تكلفة استيرادها لنفس الجهات المانحة. دعونا نطلق المعادلة الآتية:

موارد متجددة + فكر متجدد + تكنولوجيا مناسبة = تنمية ذاتية ومستدامة

إن إنشاء شبكة صرف صحي لقرية دون اللجوء لضرورة تخطي الترع والمصارف ومواقع السكك الحديدية سوف تكون تكلفته أقل كثيرًا من المحطات الكبيرة على مستوى المركز أو مجموعات القرى، ثم دعونا نفكر في بدائل أقل تكلفة للمعالجة: قد تكون الرمال أحدها، أو حتى موارد مثل جريد النخيل.

لم لا نتبنى رؤية للاستفادة الشاملة بمورد مياه الصرف الصحي لاستعادة المياه للزراعة ولتوليد البيوجاز (غاز الميثان) للإنارة وتشغيل المعدات الزراعية وتوليد الطاقة والكهرباء، وكذلك الاستفادة من الحمأة في توفير السماد العضوي لكل قرية؟ إننا بذلك نعطي أعلى فرصة لإطلاق طاقات أبناء كل قرية وتشغيل الشباب، وتوفير أعلى قيمة مضافة من مياه الصرف الصحي: ذلك المورد المتجدد والمهدَر في بلادنا العربية.
 

  هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

 

References

 [1] El Kateb, H. A better future for Egypt) The Agricultural Magazine, March 2012).

[2] تعاون علمي ألماني – مصري: كيف تجود زراعة الغابات فى الصحراء