Skip to content

08/10/09

كيف تكتب تقريرا صحفيا عن فاشية مرضية أو جائحة؟

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

 

إن الجائحة -وهي فاشية كبيرة لأحد الأمراض الوبائية- تمثل دائما أخبارا ساخنة، وذلك بفضل تسابق الصحفيين إلى استقصائها، ونتائجها غير المؤكدة، والتفاصيل الدقيقة حول علاجاتها المحتملة، ومحاولات منع انتشارها، وبطبيعة الحال عنصر الخوف الملازم لها.

وبصفة خاصة، فإن المراحل الأولى من فاشية ما توفّر فرصًا جيدة للصحفيين؛ فهناك العديد من الباحثين والأطباء الذين يمكن إجراء المقابلات الصحفية معهم، وكثير من "مصادر" الأخبار، أثناء قيام المسؤولين الصحيين والباحثين بالتعامل مع الوضع، بالإضافة إلى وجود استعداد غير عادي من المحررين لنشر المقالات العلمية.

ولكن للإبلاغ عن فاشية مرضية بشكل مسؤول، عليك ألا تكتفي بفهم التقارير المبكرة التي تحتوي في كثير من الأحيان على معلومات مبهمة، ولكن عليك أن تقوم بمتابعة القصة بشكل شامل على المدى الطويل. ويجب أن يتم ذلك دائما من خلال تطبيق التفكير النقدي وانتهاج أسلوب علمي. إن العلم- جنبا إلى جنب مع المنظور الاجتماعي والاقتصادي الأوسع- يمثل أمرًا ضروريًّا لإعداد تقارير صحفية جيدة عن الجائحات المرضية.

هناك بالفعل العديد من الأمثلة النمطية على التغطية الصحفية العلمية السيئة، ومنها إنفلزنزا الخنازير (الناتجة عن الإصابة بفيروس الإنفلونزا "أ"– أو H1N1)؛ حيث نقل بعض الصحفيين المصريين عن 'خبراء' قولهم بأن الخنازير المصابة يمكن أن تنتهي في السلسلة الغذائية كلحوم أبقار رخيصة (انظر: مقال "وسائل الإعلام والحكومة مسؤولين عن فوضى إنفلونزا الخنازير في مصر").

وفيما يلي بعض النصائح بشأن كيفية تجنب تكرار هذه الأخطاء. وتكتسب هذه النصائح أهمية خاصة في البلدان النامية، حيث تكون الموارد شحيحة، والتحديات التي تكتنف إيصال المعلومات الهامة جسيمة. وفي هذه البلدان، تكتسب رسائل الصحة العامة التي تتسم بالمسؤولية؛ أهميةً بالغة في ما يتعلق بتخفيف عبء المرض على الأنظمة الصحية الهشة.

عَرض الأساسيات بطريقة سليمة

أولا، زوّد جمهورك بالمعنى الصحيح للكلمات التي يستمعون إليها ويقرأونها كثيرًا. وعلى سبيل المثال، فإن "الجائحة" pandemic تعني المرض الذي انتشر على نطاق عالمي، وليس بالضرورة أن يكون مميتًا. كما يتحدث العلماء عن "فوعة" virulence أحد العوامل المسببة للمرض، لكن ماذا تعني تلك اللفظة لعموم الجمهور؟ استخدم تفسيرات مباشرة ودقيقة وغير مثيرة لمخاوف الجمهور.

يمكن للمنظمات الصحية أن توفر المعلومات والحقائق المتعلقة بالعوامل المسببة للمرض وبأفضل طرق التعامل معها. وينبغي للوكالات الحكومية أن تنشر بيانات عن عدد الحالات في بلد ما، وعدد الوفيات، إذا كان ذلك مناسبا.

حاول أن تقوم بصياغة هذه التفاصيل باستخدام معارفك العلمية: هل يبدو معدل الوفيات أعلى من مثيله في الأمراض الأخرى؟ هل يمثل العامل المسبب للمرض سلالة جديدة من عدو معروف أم أنه شيء جديد تمامًا؟ من الممكن أن تفيد الطريقة التي تستخدمها في صياغة هذه الحقائق في توجيه تقريرك الصحفي إلى مساره الصحيح.

طرح الأسئلة الرئيسية في المراحل المبكرة

في كثير من الأحيان، يتمثل رد الفعل الفوري لشخص عادي يسمع عن مرض جديد في سؤال: "كيف يمكنه أن يؤثر عليّ وعلى من أحب؟" وبرغم أنه لا يمكن لأي صحفي علمي أن يجيب على هذا السؤال، إلا أنك تستطيع تعريف القراء بالمخاطر التي يسببها المرض.

أولا، عليك أن تكون مطلعا على البحوث التي أجريت مؤخرا على الأمراض المماثلة. وعلى سبيل المثال، فإن المعرفة بفيروس إنفلونزا الطيور H5N1 قد تساعدك في الكتابة عن الإنفلونزا "أ" (H1N1)، وكذلك ستكون معرفتك بالبحوث (والباحثين) أيضا وثيقةَ الصلة بالموضوع.

وفي هذا السياق، هناك بعض الأسئلة الأساسية التي يجب أن تضعها في اعتبارك.

ما الذي يعرفه العلماء؟

في المراحل الأولى من أية فاشية مرضية، سيكون هناك العديد من العناصر المجهولة، لكن ستكون هناك في كثير من الأحيان كمية كبيرة من المعارف العلمية عن نوع العامل المسبب للمرض أو السلالات الشبيهة به. إن الجوائح والفاشية المرضية المفاجئة -وبحكم طبيعتها- تنتج عادة عن مسببات مرضية جديدة، أو على الأقل سلالات جديدة منها. وبالتالي، فإن العلماء لا يعرفون بالضرورة كيف يتصرفون حيالها. بيد أنهم يعرفون الكثير عن الإنفلونزا، وبالتالي فإن الفاشية الحالية لفيروس الإنفلونزا "أ" (H1N1) لا تمثل حدثا غامضا تمامًا- برغم الحقيقة الواضحة؛ لأن أحدًا لا يمكنه التنبؤ بالمستقبل. ولكن عندما ظهرت متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس: SARS) في عام 2003، لم يكن العلماء يعرفون عنها إلا أقل القليل، إذ كان العامل المسبب فيروسًا جديدًا.

عليك أن تكتب عما يفعله العلماء، ولكن حاول أيضًا ألا تتسبب في إصابة الجمهور بالذعر. لا يحتاج العلماء بالضرورة إلى كافة التفاصيل حول العامل المسبب للمرض لإيجاد علاج فعّال له، كما أنه من غير الواقعي أن نتوقع من العلماء امتلاك معلومات متوافرة عن كل مرض محتمل. وعندما تكون المعلومات المتاحة قليلة، تكون الاحتمالات أكبر؛ لكن هذا لا يعني أنها حتمية: فمن المحتمل أن يتحد فيروس الإنفلونزا "أ" (H1N1) مع فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1)، لكن هذا لا يعني أنه سيفعل ذلك بالتأكيد.

كم سيبلغ عدد الحالات؟ وكم من الناس قد يموتون؟

يجب على الباحثين وضع نموذج لعدد الناس الذين يُتَوَقع أن يصابوا أو يموتوا بفعل فاشية مرضية، بحيث يمكن للبلدان أن تقوم بتجهيز أنظمتها الصحية على نحو فعال. يجب أن تحرص على عدم ذكر التكهنات على أنها حقائق مؤكدة؛ فهذا ضرب من الإثارة، ولا يزوّد الجمهور بأية فكرة عن كيفية عمل مثل هذه النماذج؛ والتي هي أفضل التقديرات التي يتم احتسابها من بين مجموعة من العوامل، ولا يمكن أن تكون جيدة إلا بقدر المعرفة المتاحة في ذلك الوقت. وعليك أيضا توخّي الحذر من قيام بعض العلماء بالتصريح بادّعاءات مثيرة حول العدد الكبير من الوفيات المحتملة؛ فكلما زادت خطورة المرض، زادت كمية الأموال التي يمكنهم الحصول عليها لأبحاثهم. ولذلك، حاول دائما تحليل العوامل التي تسهم في تقدير عدد الوفيات، ولا تركّز فقط على الأرقام.

حاول أيضا أن تُبقي تقريرك مقتصرا على المرض المعني، فقد فشل كثير من التقارير الصحفية حول جائحة الإنفلونزا "أ" (H1N1) في المقارنة بين معدل وفيات هذا المرض وبين وفيات الأمراض الأخرى التي قد يكون لها وقع أكبر.

مع ظهور جائحة جديدة للإنفلونزا، تنشأ نزعة لمقارنتها بالجوائح السابقة، ولا سيما تلك الأكثر دراماتيكية. تذكّر أن تُعد تقريرك عن الفاشيات الحالية في سياق الأنظمة الصحية والمعرفة العلمية المتاحة في الوقت الحاضر.

لمزيد من المعلومات حول كيفية إيصال المخاطر للجماهير، انظر الدليل الإرشادي لموقع  SciDev.Net حول إيصال الإحصاءات والمخاطر.

كيف تنتقل العدوى؟ وماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك؟

عليك أن تذكر ما هو معروف عن كيفية انتشار المرض، وأن تطلب من أحد العلماء أو مسؤولي الصحة العامة -أو مجموعة منهم- شرح طرق انتقال المرض إذا كانت هذه غير واضحة. عليك أن تذكر أيضا الطرق التي لا يمكن أن ينتشر بها المرض؛ فقد تتعرض صناعات بأكملها للخراب إذا ظن الناس خطأً أن أحد منتجاتها مكتنف في عملية انتقال المرض. وقد انخفضت مبيعات الدواجن في ذروة الذعر من مرض إنفلونزا الطيور (H5N1) لأن الناس اعتقدوا خطأ أن هذا المرض قد ينتقل عن طريق تناول لحوم الدجاج.

يمكنك أن تزوّد جمهورك بمعلومات حول كيفية وقاية أنفسهم، وخاصة باستخدام التدابير البسيطة. وفي ما يتعلق بفيروس العوز المناعي البشري (HIV)، على سبيل المثال، يجب أن تتناول الرسائل الإعلامية ممارسة الجنس الآمن؛ أما في حالة الإنفلونزا، فيجب أن تركّز على غسل اليدين. ومن الممكن أن يكون إبلاغ الناس بما لا ينبغي عليهم فعله على نفس القدر من الأهمية. وعلى سبيل المثال، هناك قليل من الأدلة على أن أقنعة الوجه يمكنها أن توفر للجمهور وقاية ضد فيروسات الإنفلونزا. وقد تقوم الشركات بالترويج لمنتجات توجد أدلة قليلة أو معدومة على فعاليتها.

ومن المهم أيضا تجنب نشر عدد كبير للغاية من المقالات حول نفس الموضوع؛ فلا ينبغي أن تضيع رسائل الصحة العامة المهمة بسبب نفور الناس من القراءة بسبب نشر العديد من القصص المتشابهة التي لا يبدو أنها تضيف أي معلومات جديدة.

بناء الثقة مع مصادرك

من شأن الاعتماد على مصادر موثوقة ومفيدة أن يجعل موضوعاتك متميزة، وكذلك مساعدتك في اختيار الأنسب من بين الكم الهائل من البيانات المتاحة، والتي قد يكون بعضها متناقضًا. إن بناء علاقات جيدة مع العلماء الذين تثق بهم يعد أمرًا بالغ الأهمية. من الممكن للمحادثات العادية إضفاء زوايا جديدة على مقالاتك، وكذلك إبلاغك بتوجهاتهم البحثية المستقبلية. في بعض البلدان، قد تحاول الحكومات إخفاء عدد حالات المرض أو الوفيات -كما حدث مع داء سارس في الصين- وبالتالي فإن التحدث إلى العلماء -ولا سيما علماء الوبائيات القائمين على تتبع الفاشيات- قد يمثّل السبيل الوحيد لكشف الحقيقة. يمكنك أيضا الرجوع إلى المصادر نفسها للحصول على فكرة عن الطريقة التي ينظر بها العلماء إلى الفاشية بمرور الوقت؛ فإذا تغيرت آراؤهم فيما يتعلق بشدة مرض ما، فالأمر يستحق أن يتم إبلاغ الجمهور بذلك.

ومن المفيد أيضا أن تقوم ببناء علاقات جيدة مع المصادر الحكومية، لكن قد يصعب القيام بذلك في البلدان النامية. ويمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات حول بناء العلاقات في دليل الموقع  SciDev.Net عن كيفية كتابة التقارير الصحفية حول السياسات العلمية.

تطوير منظور طويل المدى

إذا كان الجمهور يستقي معظم معلوماته عن مرض ما من وسائل الإعلام، فلا يمكن إلقاء اللوم عليهم إذا ظنوا أن المرض قد اختفى إذا توقفت أخباره عن الظهور في وسائل الإعلام تلك. وفي حين أنه من المهم عدم إغراق الناس بكم هائل من المقالات حول مرض بعينه، فمن حقهم أيضا أن يعرفوا إذا كان لا يزال يشكل تهديدا.

ضع الأسئلة الأساسية المذكورة أعلاه في اعتبارك دائما، وحاول معرفة ما إذا كانت الإجابات عليها قد تغيرت مع ظهور معلومات جديدة حول الموضوع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفترة التالية لموجة أولية من التغطية تمثل فرصة لكتابة التقارير المتعمقة، مثل تقييم استجابة الحكومة، أو البحث في مدى مساهمة الأبحاث التي أجريت على المرض في تقدّم العلوم بشكل عام (أو ما إذا كان قد تم تحويل موارد حيوية من مجالات أخرى للإنفاق). وبالإضافة إلى ذلك، فإن تتبّع عملية تطوير أية أدوية أو لقاحات جديدة ضد مرض بعينه قد يُفيد أيضا. وفي الصين، على سبيل المثال، تم تخصيص قدر كبير من الموارد للبحوث المتعلقة بتطوير لقاح لداء سارس، لكن الفيروس سرعان ما اختفى، ولم يقم سوى قلة من الصحفيين بمساءلة العلماء عن محصلة تلك الاستثمارات الضخمة.

السياق الأوسع

إن الجائحة، أو التفشي الواسع النطاق لمرض ما، ليست مجرد قضية علمية، وبالتالي فقد تجد نفسك تقوم بتغطية موضوعات اقتصادية واجتماعية لست على دراية واسعة بها. وعلى سبيل المثال، قامت مجلة China News Weekly بتغطية إنفلونزا الطيور "أ" (H1N1) على نحو أكثر عمقا من خلال تقييم تحوّل استراتيجية الصحة العامة في الصين منذ عام 2003 ، عندما أثر داء سارس بشدة على النظام الصحي، وعلى المجتمع الصيني بشكل عام. وقد عمدت المقالات أيضا إلى المقارنة بين نهج الصين ومثيله في الدول الأخرى، إضافة إلى تقدّم المجتمع في ما يتعلق بالوقاية من المرض ومكافحته.

قد تعني كتابة تقارير صحفية حول الجوائح أن تتناول قضايا اجتماعية مثل الجنس غير الآمن، وتعدد الشركاء الجنسيين، كما هو الحال في حال الفيروس (HIV)، وعدم المساواة في الحصول على الأدوية. بيد أن الفيروس (HIV) له أيضا آثار اقتصادية مهمة؛ لأنه قضى على أجيال بأكملها في بعض البلدان النامية.

فكّر عالميا، واعمل محليا

وأخيرا، قد تبدو الجائحة بعيدة تماما عن الأشخاص الذي يعيشون على مبعدة من مكان ظهور أول فاشية معروفة؛ لكن منظمة الصحة العالمية أعلنت إنفلونزا الخنازير جائحة بعد أقل من شهرين من بداية انتشارها على نطاق واسع، كما لعب السفر الجوي دورا كبيرا في انتقال العدوى.

ويتمثل التحدي الأكبر في جعل قصة عالمية ذات صلة محليا. ربما لم تظهر حالات للمرض في بلدك حتى الآن، لكن عليك أن تعرّف الناس بطبيعته، وما يمكنهم القيام به لحماية أنفسهم، وكذلك إطلاعهم على ما تقوم به السلطات؛ فهي مسؤولة عن تعريف الناس بالمسار المحتمل للمرض، ولكن بنفس القدر من الأهمية، عليها التأكد من أن التقارير الصحفية لا تبدو وكأنها عدّ تنازلي لكارثة وشيكة.