Skip to content

15/05/14

الربيع العربي.. كان الأمر أبعد من الإعلام الجديد

Arab spring_protest Samuel Aranda.jpg
حقوق الصورة:Samuel Aranda/Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • ركَّز المُعلِّقون على استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إثارة القلاقل
  • كان للتقدم الذي أعقب الخطوات المحرزة نحو اقتصاد المعرفة دور كذلك
  • ينبغي للنخبة أن تتبنى التفكير النقدي القائم على أساس علمي لدفع عجلة النمو

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

 

ساعدت التغييرات المرتبطة باقتصاد المعرفة في اندلاع الثورات، ورغم ذلك يقول عبد القادر جفلات إنها ليست تهديدًا

 

كان للعلوم والتكنولوجيا والابتكار دور جوهري في السخط الذي أفضى إلى ثورات الربيع العربي. ولكن على ما لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وللشبكات الاجتماعية من أهمية في تعبئة الناس، إلا أنها ليست كافية بذاتها لتفسير اندلاع الانتفاضات.

واقتصاد المعرفة يعطينا استبصارًا أفضل بالأمر؛ إذ يظهر في إطاره أن إبداعًا هادمًا للنظم، وزيادة أعداد المتعلمين والمبدعين في أوساط المهنيين، ووجود مجموعات أفضل تنظيمًا لها جذور بين فئات الشعب؛ هي الأسباب التي أدت إلى سقوط العديد من الأنظمة العربية في المنطقة.[1]
 
تراكم السخط

إن 60% من شعوب البلدان العربية دون الثلاثين. وقد أسهم عدم المساواة في الحصول على المعرفة في زيادة الإحباط بين الشباب، وخاصة بين فئات الخريجين والنساء. إن للسخط جذورا تاريخية، ولكنه تفاقم بسبب السياسات البئيسة الأخيرة.

من الناحية التاريخية، نجد أن مشاعر الإحباط ترجع إلى المكانة الهامشية التي تتبوؤها المنطقة حاليًّا في المشهد العالمي للعلوم، بعد أن كانت تتصدر تطورات عديدة في فروع الفلسفة والرياضيات والطب والجغرافيا والأدب منذ ألف سنة تقريبًا.

ولم تلحق الدول العربية عمومًا بركب الثورة الصناعية؛ لأن الحكومات لم تُولِ العلوم والتكنولوجيا أهمية. وفي بعض البلدان، حينما أسس نظام التعليم العالي إبان حقبة الاستعمار، إنما وُضِع -في حقيقة الأمر- ليستأثر به المستعمرون، لا سيّما في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وبذلك أسهم النظام الاستعماري في تفاقم هذه المشكلة لاحقًا.

كما أن نُظم التعليم والتدريب التي أُنشِئت منذ الاستقلال أسفرت عن إقصاءات ذات طبيعة مختلفة. على سبيل المثال، كانت نُظم التعليم العام غالبًا ما تستهدف توفير تعليم إجباري، أي المعارف الأساسية والعامة فقط، على خلاف التعليم الخاص عالي الجودة، المتاح لمَن يمكنهم تَكبُّد مصروفاته.

هناك أيضًا مسألة بطالة الخريجين –من كليات العلوم والتكنولوجيا على وجه الخصوص– حيث تفشل المؤهلات المتواضعة في تلبية متطلبات الصناعة المحلية. وبالمثل، لا تزال تؤخذ على التعليم التقني والمهني مآخذ معينة، مثل انخفاض مستوى التدريس.

وأخيرًا، لا تحظى النساء، اللاتي يَفُقْنَ الرجال عددًا في التعليم العالي، إلا بحصة مؤسفة من الوظائف العلمية والتقنية؛ وذلك بسبب سياسات تمييزية وإجحاف راسخ بشأن قدراتهن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. وعلى سبيل المثال، تُعيِّن الحكومات العربية عددًا قليلاً من النساء رئيسات لمراكز البحوث، على الرغم من كفاءاتهن المشهود بها.
 
تفضيل الأجانب

ولكن المظالم التاريخية تتجاوز التعليم العالي. فمنذ بداية تحوّلها إلى الصناعة في السبعينيات، عوَّلت بلدان في المنطقة إلى حد بعيد على جلب تكنولوجيا جاهزة من الخارج، ما أدى إلى تهميش الخبرة المحلية. ونتيجة لذلك، صارت شركات استشارية أجنبية تنهض –بالكامل تقريبًا– بمهام تصميم وهندسة كان من الممكن أن تتم باستخدام مقدرة محلية.

وفي الآونة الأخيرة، نشأت الشعوب (خاصة الجيل الأصغر سنًّا) في عالَم يقوم على المنافسة، ومما يجرح كبرياءهم الوطني رؤية ترتيب بلدانهم المنخفض وفق مؤشرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. مثلاً، يُنظَر بشكل عام إلى احتلال الجزائر المركز الأخير على مؤشر الابتكار العالمي لعام 2011 باعتباره كارثة، وكان مثارًا لتعليقات الجمهور.[2]

إضافة إلى ذلك، فقد مَنَع تركيز السلطة في أيدي حكومة مركزية إجراء أبحاث علمية مستقلة، وهو ما يعوق الجامعات عن أخذ زمام المبادرة، واستحداث أفكار إبداعية جديدة، والابتكار. واستبعدت سياسة الحكومة أيضًا إلى حد كبير فئات اجتماعية عديدة هي جزء من المجتمع المدني –كالشباب والنساء وجاليات المهاجرين– من التفكير الخلاق والاضطلاع بمشاريع مبتكرة.
 
مقاربة اقتصاد المعرفة

لكن الخطوات المحرزة نحو اقتصاد المعرفة في السنوات الأخيرة أحدثت تغييرات في أنحاء العالم العربي. تعتمد هذه الاقتصادات على تسخير المعرفة من أجل تحسين عمليات إنتاج تنطوي على استخدام مكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعليم يتبنى التفكير الإبداعي، ومؤسسات صحية، ونظام يعمل بصورة جيدة لتشجيع الابتكار.

وعلى الرغم من تركيز المعلقين ووسائل الإعلام على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووسائل الإعلام الاجتماعية باعتبارها العناصر الرئيسة في الربيع العربي، فهي ليست العوامل الوحيدة بأي حال من الأحوال. فقد لعبت المكونات الأخرى لاقتصاد المعرفة دورًا مهمًّا كذلك، مثل: عمليات الابتكار، والتعليم، والحوكمة.

وأدت نُظم التعليم الآخذة في التحسن، ومعظمها في بلدان ’الربيع‘ مثل تونس، إلى تزايد مستوى التفكير النقدي بين الأجيال الشابة. وبدأ الشباب في رصد غياب مبدأ المساءلة، والمساعدة على فضح ذلك في وسائل الإعلام والنقاش العام.

لقد أدركوا أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تُقدِّم فرصة فريدة للإبداع الهادم للنظام. وقد تجلَّى هذا في تنسيق مجموعات الحي الواحد لوجستيات الاحتجاجات، مثلاً، أو المضي قدمًا في اتخاذ قرارات جماعية وديمقراطية.

لذلك، كان التنظيم الفعلي للانتفاضة –في جوهره– متنفسًا لإمكانات الشباب الإبداعية؛ لأنهم لم يجدوا لها منفذًا في سوق العمل.

من ثَمّ احتشدت تحركات بلا قائد طواعية من أجل قضية مشتركة، وساعدت على إرساء مبادئ حوكمة جديدة داخل المجموعات الاحتجاجية: كالشفافية، والتنفيذ السريع للقرارات، ورفض التسلسل الهرمي، واستخدام شعارات مثل degage (ارحل) في تونس. وانتشر شعار degage عالميًّا، مما ساعد على تعبئة الناس ضد النظام وإسقاط الرئيس زين العابدين بن علي في نهاية المطاف في عام 2011.

 
توصيات السياسة

عند رؤية الربيع العربي من هذا المنظور، قد يكون من المغري للنخبة الحاكمة النظر إلى اقتصاد المعرفة، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، باعتبارها تهديدًا. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يُنظر إليها على أنها فرصة ثمينة لإقامة اقتصادات أكثر شمولاً واستدامةً وتنوعًا، ومجتمعات تتمتع بالمساواة.

وتحتاج ’الطبقة المبدعة‘ من النُّخَب المطَّلِعة على المعارف إلى الاستفادة من استراتيجية تنمية شاملة جديدة؛ كي يصبحوا جزءًا من رأس المال البشري المتجدد من الذكاء والإبداع في الدول العربية.

إحدى السبل التي تستطيع الحكومات من خلالها البدء في بناء جسور الثقة يتمثل في إشراك هذه الفئة في القرارات الرئيسة التي تؤثر على الاقتصاد والمجتمع. وبمقدور الحكومات أيضًا مكافأة أهل المعرفة والإبداع ماديًّا ورمزيًّا؛ عبر منحهم حرية الوصول إلى وسائل الإعلام.

ولتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية، هناك حاجة إلى نوع جديد من التحالف بين النخب السياسية والطبقة المبدعة في المنطقة. كانت التحالفات القديمة مستمدة من الولاء للنظام الممسك بزمام السلطة، والانحياز إلى حزب سياسي كبير، وممارسة الرقابة الذاتية. لكن الميثاق الجديد ينبغي أن يستند إلى اتّخاذ قرارات مبنية على معرفة سياسية واقتصادية.

إن قبول التفكير النقدي القائم على أساس علمي بوصفه جانبًا من نهج الحوكمة الجديد هو جزء لا يتجزأ من هذا الإطار؛ لإحلال نموذج أساسه مبدأ المساءلة، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والمعرفة، والجدارة، محل النموذج المستند إلى الحكم العسكري والاستبدادي.
 
عبد القادر جفلات يعمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة ليل، فرنسا، ونائبًا لرئيس المجلس العلمي لمنظمة Globelics (الشبكة العالمية لاقتصاديات التعليم والابتكار وأنظمة تعزيز الكفاءة)، ومنسّق شبكة Maghtech (تكنولوجيا المغرب العربي). ويمكن التواصل معه على [email protected]

 

المقال منشور بالنسخة الدولية يمكنكم متابعته عبر العنوان التالي:
it took more than new media to deliver the arab spring

References