Skip to content

10/07/14

جهاز علاج الفيروسات المصري في ميزان العلم

CCD
حقوق الصورة:Flickr/ Sanofi Pasteur

نقاط للقراءة السريعة

  • النتائج المعلنة عن قدرة الجهاز على الشفاء لم تنشر بالأسلوب العلمي السليم المتعارف عليه
  • تصريحات ولقاءات إعلامية للفريق البحثي المسؤول عنه تستشف منها ثلاث آليات عمل متضاربة
  • لم نعرف كيف يُشفى مريض التهاب الكبد الفيروسي، ولم نفهم أيضًا كيف يتم شفاء مريض الإيدز

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

كل ما يتصل به يغاير المتعارف عليه بالأوساط العلمية وفق رأي إسلام حسين، وإتاحة بياناته خطوة نحو ترجيح كفته

الفيروسات كائنات دقيقة متناهية في الصغر، تعتمد بشكل تام في تكاثرها على خلايا عائل حي. ونظرًا لما تسببه الفيروسات من أمراض خطيرة وخسارة في الأرواح، عكف العلماء على إيجاد مضادات فيروسية على هيئة مركبات كيميائية تستطيع أن تحدث شللاً لأحد بروتينات الفيروس بشكل غاية في الدقة والخصوصية، ما يتسبب في حدوث عطب في ماكينة التكاثر الفيروسية، دون أن تُحدث ضررًا لأي من مكونات خلايا العائل.
 
ظهر هذا الفرع من العلوم للنور في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وتطور بشكل كبير مع معرفة أدق تفاصيل دورات تكاثر العديد من الفيروسات، ما أدى لاكتشاف عائلات عديدة من مضادات الفيروسات التي أسهمت بشكل كبير في تقليل الخسائر الناجمة عن العدوى ببعض الفيروسات الخطرة، والحفاظ على الملايين من الأرواح.
 
وفي إعلان عن أسلوب جديد في تشخيص الفيروسات وعلاجها، كشفت الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية بمؤتمر صحفي رسمي في شهر فبراير الماضي عن اختراعين: الأول اسمهC-FAST ، وهو جهاز لتشخيص عدة أمراض فيروسية عن بعد دون الحاجة لأخذ عينة من المريض، أما الثاني فهو جهاز علاجي يُعرف بجهاز العلاج الكامل(CCD) Complete Cure Device ، ويشبه جهاز الغسيل الكلوي.
 
يزعم مخترعو تلك الأجهزة أنهم استطاعوا هزيمة فيروسي الالتهاب الكبدي ج ونقص المناعة المكتسبة HIV AIDS بعد تحقيق معدلات شفاء عالية لدى المرضى المصابين بهذين النوعين من الفيروسات.
 
صحِب الإعلان عن هذه الأجهزة وقدرتها على الشفاء صخب إعلامي ضخم ما بين مشكك ومؤيد؛ بسبب السياق غير العلمي الذي خرجت فيه هذه الاختراعات للنور، ومتأثرًا بلا شك بالظروف السياسية غير المستقرة بمصر وقتها.
 
وكان من المفترض بدء الاستفادة بتلك الأجهزة في علاج المرضى بالمستشفيات في مطلع يوليو الجاري، إلا أنه في 28 يونيو أعلن مسؤولون عسكريون أن جهاز CCD العلاجي سيحتاج لستة أشهر أخرى على الأقل؛ لإجراء المزيد من التجارب قبل استخدامه لعلاج المرضى.

لا براءة، ولا نشر
 
رغم أن استخدام جهاز تشخيصي لا يعمل بكفاءة يترتب عليه اتخاذ قرارات خطأ تجاه الشخص محل الفحص، وقد تنتج عنه مشكلات صحية، ليس للشخص نفسه فحسب، بل ولدائرة المحيطين به، فمثلا إذا جرى تشخيص مريض إيدز على أنه سلبي وهو لا يزال حاملاً للفيروس، وعاد لممارسة حياته الطبيعية مرة أخرى استنادًا إلى هذه النتيجة؛ فهذا خطر لا يستهان به، إلا أن جهازًا مخصصًا للعلاج إذا لم يكن استخدامه فعالاً وآمنًا بشكل كامل قد يكون أخطر؛ حيث إنه ذو تأثير مباشر على صحة شخص مريض بالفعل.
 
يعتمد جهاز العلاج CCD في آلية عمله -وفق وصف مخترعيه- على سحب دم المريض وتمريره في أنبوبة حلزونية الشكل مصنوعة من مواد خاصة، يسلَّط من خلالها نوع من الأشعة فوق البنفسجية على الدم المصاب. ويدعي مخترعو الجهاز أن هذه الأشعة قادرة على تكسير الفيروسات الموجودة في الدم، ثم إعادته مرة أخرى إلى جسم المريض بعد التخلص من محتواه الفيروسي.
 
ومن المتعارف عليه علميًّا مع مثل هذه الاكتشافات المثيرة للجدل أن يحصل مبتكرو الجهاز على براءة اختراع تمكنهم من الحفاظ على ملكيتهم الفكرية للتكنولوجيا القائم عليها عمله، ليتبع ذلك مرحلة من النشر العلمي لنتائج الأبحاث التي تصف النتائج العلاجية ومعاملات الأمان العلاجي له -وذلك بالتأكيد دون إفصاح عن تفاصيل التكنولوجيا المستخدمة- في مجلات علمية تتبع أسلوبًا دقيقًا للمراجعة من قِبل خبراء متخصصين في نفس المجال.
 
وبعد قبول هذه الأبحاث في الأوساط العلمية المتخصصة، يأتي في النهاية دور وسائل الإعلام العامة للإعلان عن الاكتشاف والتعريف به، خاصة إذا كان يمس جانبًا مهمًّا في حياة الناس.
 
إلا أن العلماء المتخصصين استفاقوا على حقيقة أن أيًّا من هذه النتائج التي أُعلن عنها عبر مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام العامة عن جهاز CCD وقدرته على الشفاء لم تُنشر بالأسلوب العلمي السليم والمتعارف عليه.
 
آلية عمل مجهولة
 
وهذا أمر يدعو إلى القلق الشديد، فمثل هذا الاختراع له تأثير ثلاثي الأبعاد على حياة ملايين من مرضى الالتهاب الكبدي ج في مصر التي تتصدر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نسب الإصابة مقارنة بعدد السكان، فوفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية تبلغ نسبة الإصابة بالمرض في مصر نحو 22% من السكان.
 
أولاً: إذا لم يكن هذا الاكتشاف حقيقيًّا فنحن أمام عدد غير قليل من المرضى يعيشون على أمل علاجي كاذب. وثانيًا: إذا لم تتوفر في هذا الجهاز معاملات الأمان العلاجي المطلوبة فسوف يعاني الكثيرون ممن يخضعون لهذا العلاج المزعوم آثارًا جانبية غير محسوبة. أما البعد الثالث والأخير فإن عدم التأكد التام من فعالية هذا الجهاز من الممكن أن ينتج عنه انطباع زائف بالشفاء من أمراض خطيرة، مما سوف يساهم في نشر العدوى بدلاً من القضاء عليها.
 
ونظرًا لأن التوصل إلى طريقة انتقائية لتعطيل تكاثر الفيروس دون مساس بخلايا العائل هو حجر الأساس نحو علاج حقيقي للأمراض الفيروسية، فأول ما سيشغل بال العلماء في اكتشاف كهذا هو آلية عمل الجهاز.
 
وفي ظل غياب نتائج منشورة علميًّا بالأسلوب المتعارف عليه، وقعنا فريسة لفوضى إعلامية من تصريحات ولقاءات إعلامية للفريق البحثي المسؤول عن الاكتشاف، وفي محاولة للرصد توصلت من خلال تلك الأحاديث إلى ثلاث آليات عمل متضاربة.
 
فهناك من أعضاء الفريق البحثي مَن يدعي أن الأشعة المنبعثة من جهاز CCD تدمر روابط كيميائية في الغلاف الدهني الخارجي للفيروس، وهذا التفسير يؤذن بكارثة؛ لأن الغلاف الخارجي للفيروس مستمد في الأساس من غلاف خلية العائل، أي خلايا جسم المريض، وتدميره بهذه الطريقة يعني بالضرورة تدمير خلايا العائل أيضًا.
 
وثمة مَن يدعي أن أشعة الجهاز تدمر روابط كيميائية في الغلاف الداخلي البروتيني للفيروس، دون تقديم أي تفسير عن مصير الغلاف الخارجي وكيفية اختراقه. وآخر يدعي أن أشعة جهاز CCD تدمر المادة الوراثية للفيروس، نحن إذن أمام حالة ارتباك شديدة وتخبط لا نراهما مع الاكتشافات العلمية الموثقة بالأسلوب العلمي الصحيح.
 
مجاف للأسس العلمية
 
ولو نحينا كل هذا الجدل جانبا فلن نجد إجابة لأسئلة علمية بدائية. على سبيل المثال، كيف يُشفى مريض التهاب الكبد الفيروسي عندما نتخلص من الفيروسات التي تسري في دمه في حين أن المصنع الرئيس لإنتاج ملايين من هذه الفيروسات يقع في خلايا كبد المريض؟
 
لم نفهم أيضًا كيف يتم شفاء مريض الإيدز حتى لو تمكننا من القضاء على الفيروسات الحرة في دمه في حين أن ملايين من هذه الفيروسات تعيش في حالة كمون داخل الخلايا المناعية للمريض تتكامل فيها المادة الوراثية للفيروس مع المادة الوراثية لخلية العائل، بل وتصبح جزءًا أصيلاً منها!
 
إن تقييم أي علاج جديد يمر بمراحل عديدة، بداية من أنابيب الاختبار ومرورًا بحيوانات التجارب، حتى نصل إلى مرحلة التجارب الإكلينيكية على المرضى، وكل مرحلة من هذه المراحل لها أسس علمية وقواعد، كما تُفرد لها العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية، دون حاجة إلى إفشاء أية أسرار تخص تكنولوجيا العلاج الجديد، والتي من الممكن حمايتها عن طريق براءات الاختراع.
 
وإذا تحدثنا عن نتائج فلا يكفي أن نسمع ادعاءً بأن الجهاز العلاجي أدى إلى شفاء العديد من المرضى، فالعلم لا يفهم هذه اللغة، ولكنه يتنفس بيانات وأرقام وإحصائيات. وهنا أشير لمقولة عالم أمريكي شهير يدعى إدواردز ديمينج: ”نحن نثق في الله، ولكن ينبغي على مَن دونه أن يقدموا البيانات“؛ لذلك فإن إتاحة البيانات للجميع في المجلات العلمية هو الخطوة الأولى نحو ترجيح كفة جهاز مثل CCD في ميزان العلم.
 
ما لم يتم ذلك، سنكون أمام حالة نموذجية لما يعرف في الأوساط العلمية بالعلم الزائف، الذي لا يصلح أن يكون أساسًا للمغامرة بآلام المرضى وآمالهم، بل إن التعليم ونشر أسس التفكير العلمي النقدي غير المُسَيس هو السبيل الوحيد لعدم الوقوع في هذا النوع من المآزق في المستقبل.
 
** د. إسلام حسين: عالم فيروسات جزيئية. حصل على درجة الدكتوراه في علم الفيروسات من جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، عام 2007. أدى تدريب ما بعد الدكتوراه في المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة NIH، وبالمركز الطبي لجامعة كانساس. يعمل حاليا باحثًا يدرس فيروسات الإنفلونزا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

 هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط