Skip to content

18/05/16

وطأة الاعتلال النفسي وعبء رعاية مرضاه.. حقائق وأرقام

Village poverty mental health F&F.jpg
حقوق الصورة:Jan Banning / Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • تمثل الاضطرابات النفسية 13% من عبء المرض على مستوى العالم
  • تعني الوصمة والموارد المحدودة حصول قلة من الناس في الدول الفقيرة على المساعدة
  • وتشير دراسات إلى فاعلية طرق جديدة لردم ’فجوة العلاج‘

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

كيف تؤثر الاضطرابات النفسية على الفقراء؟ ومَن يمكنهم المساعدة؟ نيرجا تشودهاري وفيجاي شانكار ينظران في الأدلة.

تمامًا مثلما يعاني الأغنياء الاضطرابات النفسية، من قلق واكتئاب ومحاولات انتحار وغيرها، فهي واقع في حق الفقراء، يكابدون عذاباتها، حتى وإن أُهملوا أو أُسقطوا من الحسابات أو أُغفلوا في غالب الأحيان. وتُظهر بيانات أطلس منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2014 أن معدلات الانتحار قد تكون متقاربة جدا بين بلدان متباينة في الدخل تبايُن فيتنام والمملكة المتحدة، حيث تقع خمس إلى ست حالات انتحار في كل 100 ألف نسمة على الترتيب.[1] ولكن لا يحصل سوى قلة من الناس في العالم النامي على الرعاية الصحية النفسية التي يحتاجون إليها، ويجري التعامل مع العديد من المرضى بطريقة غير إنسانية، أو تقدَّم لهم علاجات تضر أكثر مما تنفع.

الاضطرابات النفسية وأسبابها
تشمل الأمراض النفسية مجموعة من الحالات المرضية، مثل: الاكتئاب، والقلق العام، ونوبات الهلع، والاضطراب ثنائي القطب، والفصام، والخَرَف (الشكل 1).

الشكل 1: الاضطرابات النفسية

أنواع الاكتئاب
الاكتئاب: حالة لها العديد من الأعراض التي تتباين، لكنها قد تشمل الرغبة في البكاء، والتململ، والتردد، واليأس، والعزلة، وتعكر المزاج. وقد تشمل الأعراض الجسدية الحركة والكلام ببطء أكثر من المعتاد، وأوجاعًا وآلامًا ليس لها تفسير، والإمساك، والأرق.

يوصف الاكتئاب بأنه خفيف أو معتدل أو حاد (سريري) وفقًا لتأثيره على حياة الشخص، من الشعور بانخفاض الحالة المعنوية –وخصوصًا عندما يواجه الشخص خسارة شخصية- إلى الإحساس بالحزن باستمرار على نحو يعوق ممارسات الحياة اليومية. وهناك أشكال معينة من الاكتئاب مثل الاضطرابات العاطفية الموسمية واكتئاب ما بعد الولادة، وقد يعاني مَن لديهم اكتئاب حاد تجاربَ ذهانية ومشاعر انتحارية.

اكتئاب ما بعد الولادة: حالة تتطور عادة في غضون ستة أسابيع من الولادة، ويجب عدم الخلط بينها وبين ’أحزان ما بعد الولادة‘ التي لا تستغرق سوى بضعة أيام وتؤثر على معظم الأمهات. تشمل الأعراض النمطية الشعور بإحباط، وعدم القيمة، والحزن، والذنب، والرغبة في البكاء.

وقد تشعر بعض الأمهات بعدائية أو لامبالاة تجاه الطفل أو شريك الحياة. قد يكون السبب ذا طبيعة هرمونية بالاشتراك مع عدم وجود دعم، وتدني احترام الذات، وسوء الأحوال المعيشية، ووجود تاريخ سابق من مشاكل الصحة النفسية مثل الاكتئاب.

الاضطرابات العاطفية الموسمية: نوع من الاكتئاب يرتبط بكمية ضوء النهار المتوفر في المواسم المختلفة. وهو يختلف عن ردود فعل معظم الناس لتغيُّر المواسم من خلال مدى شدة تأثُّر المزاج ومستويات الطاقة، وبتأثير الأعراض على الحياة اليومية. تبدأ الحالة بالنسبة لمعظم الناس عندما تصبح الأيام أقصر في الخريف والشتاء، وتبدأ في الزوال في فصلي الربيع والصيف، ولا تزال أسبابها غير واضحة.

الأكل وصورة الجسم
اضطراب تشوه الجسم: وسواس وقلق يتعلق بصورة الجسم. يكون الشخص المصاب بالاضطراب قلقًا بشأن أحد جوانب مظهره، سمة في الوجه أو وزنه مثلًا، وقد يتبع روتينًا وعادات صارمة مثل تفحص مظهره أو انتقاد بشرته. قد يشعر الشخص أيضًا بالعار والذنب والوحدة والاكتئاب، بل وإيذاء النفس وتنامي مشاعر انتحارية في الحالات الحادة.

اضطرابات الأكل: اضطرابات تنطوي على التركيز على الغذاء مادةَ إلهاء تساعد الناس على إخفاء مشاعر مؤلمة يصعب مواجهتها أو أخذ قرار بشأنها. يميل الشخص المصاب بالشره العصبي (نهام عصابي) إلى التهام كميات كبيرة من الطعام في السر ومن ثَم التخلص من الطعام عن طريق التقيؤ أو استخدام المسهلات.

أما المصاب بفقدان الشهية العصبي (قهم عصابي) فقد يقلل بشكل كبير من مقدار ما يأكله، ويمارس الرياضة بشكل قهري، ويتجنب الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، فضلًا عن استخدام الأدوية لقمع الشهية. ويشعر الشخص المصاب باضطراب نهم الطعام بأنه مضطر لتناوُل الطعام طوال الوقت، حتى عندما يكون الشعور بالشبع غير مريح. وترتبط اضطرابات الأكل بالاكتئاب، ومسائل احترام الذات، والقلق.

الهوس
الاضطراب الثنائي القطب: اضطراب يؤثر على المزاج، كان يُسمى سابقًا باضطراب الهوس الاكتئابي، وينطوي على فترات الإحساس بالهوس أو ’النشوة‘ (التحمس، والابتهاج، والثقة الشديدة، والمغامرة)، ثم الإحساس بالاكتئاب أو ’الإحباط‘ (التعب، والخمول، والفتور، وافتقاد الثقة)، ومن ثم يُسمى أيضًا باضطراب وجداني ذو اتجاهين. وفي بعض الأحيان، قد يشعر الشخص بالنشوة والإحباط في آن واحد، ولا يزال سببه مجهولًا، لكن العوامل المرجحة تشمل الصدمة النفسية في الطفولة، والإجهاد، وكيمياء الدماغ، والجينات.

الهوس الخفيف والهوس: حالات مرضية تصف فترات قد يشعر الناس فيها بسعادة غامرة و’نشوة‘، واعتداد بالذات، وحيوية، وتهيُّج. قد تتسارع الأفكار في عقولهم، وقد يتحدثون بسرعة للغاية، وربما يُصرف انتباههم بسهولة، ويصبحون جَموحين وعدوانيين. تتعلق هذه الأعراض بالاضطراب ثنائي القطب. والهوس الخفيف أقل حدة من الهوس الكامل.

الهوس الاكتئابي: انظر الاضطراب الثنائي القطب.

أنواع اضطراب الشخصية
اضطراب الشخصية الحدي: اضطراب مزاج الشخص وكيفية تفاعله مع الآخرين. المصابون بهذه الحالة ربما: يقلقون بشأن تخلي الآخرين عنهم، أو يشعرون بعواطف شديدة جدًّا قد تتغير بسرعة، أو يشعرون بفراغ عاطفي وغضب. إقامة علاقات مستقرة والحفاظ عليها قد يمثل صعوبة بالنسبة لهم، وقد يتغير إحساسهم بأنفسهم وفقًا للمحيطين بهم. وعند التوتر، قد يعانون من جنون الشك، ويمرون بتجارب ذهانية.

اضطرابات الشخصية: حالات مرضية تجعل لدى الناس أنماطًا جامدة من الشعور والتفكير والتصرُّف، وتجعل من الصعب عليهم التعامل مع الحياة اليومية. وحدد الأطباء النفسيون عشرة أنواع من الاضطرابات في ثلاث مجموعات. تضم المجموعة ’المرتابة‘ اضطراب الشخصية غير الاجتماعية (الانطوائية)، عندما يكون من المرجح أن يتصرف الناس باندفاع وبشكل خطير دون أي شعور بالذنب.

تضم المجموعة ’العاطفية والمندفعة‘ اضطراب الشخصية الحدي. وتضم المجموعة ’القلقة‘ اضطراب الشخصية النرجسية، عندما يكون احترام الذات واهيًا، ويميلون إلى أن ينقموا نجاحات الآخرين ويعتقدون أنهم أحق من غيرهم.

الذهان والفصام وسماع أصوات 
سماع أصوات: شكل من أشكال الهلوسة السمعية التي يسمع فيها الشخص أصواتًا عندما لا يكون حوله أحد، أو التي لا يمكن للآخرين سماعها. قد يسمع أحدهم اسمه فقط أو بضع كلمات، بينما يسمع آخرون تعليقًا متواصلًا. وقد يكون سماع أصوات في بداية النوم (الهلاوس النعاسية) أو عند الاستيقاظ من النوم (الهلوسة السابقة للاستيقاظ) ناجمًا عن كون الدماغ جزئيًّا في مرحلة الحلم.

وتتراوح الأسباب الأخرى من قلة النوم إلى الأمراض الجسدية، والعقاقير المخدرة، والثُّكْلُ، والتجارب الفاجعة، والتجارب الذهانية، والفصام، والاضطراب الثنائي القطب، والاكتئاب.

تجارب ذهانية: اضطرابات تجعل الناس يدركون أو يفسرون الأشياء المحيطة بهم بطريقة مختلفة عن الآخرين. أحد أنواعها الهلاوس، وفيها إما أن يعاين المرء أشياء ليست موجودة أو يرى الأشياء بطريقة مشوهة. وقد يسمع أصواتًا أو يشعر بأشياء مثل دبيب الحشرات على جلدهم. وهناك نوع آخر هو الأوهام، ومعها يعتقد المريض بشيء ليس له أساس في الواقع، على سبيل المثال أنه يمكنه إحياء الموتى.

ويمكن أن تكون أوهام جنون الشك مخيفة جدًّا؛ حيث يعتقد الشخص أنه في خطر محدق. وهناك نوع ثالث هو ’تشارد الأفكار‘، حيث ينتقل الشخص بسرعة كبيرة جدًّا من فكرة إلى فكرة أخرى، مستنتجًا علاقات لا يمكن للآخرين إدراك أسبابها.

اضطراب فصامي عاطفي: تشخيص مرض ينطبق على شخص لديه أعراض ذهانية تشبه الفصام وأعراض تقلب المزاج لشخص يعاني الاضطراب الثنائي القطب. وتشمل الأعراض التي يتعرض لها الهلاوس والأوهام والهوس الخفيف والاكتئاب.

الفصام: تشخيص يصف الناس الذين يعانون أعراضًا تشمل الهلاوس والأوهام، وسماع أصوات، وصعوبة التركيز، والرغبة في تجنب الناس، والشعور بالانفصال عن العواطف. وهو ناتج عن مجموعة من العوامل، من بينها الأحداث المجهِدة في الحياة، وتعاطي العقاقير المخدرة، وزيادة مادة كيميائية تسمى دوبامين تنقل الرسائل بين خلايا الدماغ، فضلًا عن العنصر الوراثي.

خلل الحركة المتأخر: مصطلح طبي للحركات المتشنجة المفاجئة التي قد تكون آثارًا جانبية لبعض مضادات الذهان. التحركات تكون غير عادية وخارج نطاق سيطرة الشخص، ويمكن أن تجعل المصابين خجولين للغاية وتؤدي إلى تفاقم القلق.

النوم
مشاكل النوم: مشاكل مثل صعوبة النوم أو الاستيقاظ في الليل بشكل متكرر على نحو يستمر أسابيعًا أو شهورًا أو سنوات، ويؤثر على الحياة اليومية. من بين الأعراض الأكثر شيوعًا الأرق (حيث يعاني الشخص من صعوبة في النوم أو معاودة النوم)، وإطالة النوم، والكوابيس، وشلل النوم (عندما يستيقظ الشخص في الليل ولا يستطيع أن يتحرك أو يتكلم)، والمشي في أثناء النوم.

ويمكن أن تنجم الحالة عن عوامل مختلفة تشمل الأدوية، والمرض البدني أو النفسي مثل الاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، والقلق، والفصام.


 
الإجهاد والقلق
الغضب: رد فعل عاطفي يصبح مشكلة عندما يضر بالشخص نفسه أو المحيطين به. وتشمل علامات الغضب الصياح أو العنف الجسدي أو الإهانة اللفظية. وقد يكون الغضب ’سلبيًّا- عدوانيًّا‘، فربما يتجاهل الشخص الآخرين أو يسخر منهم، وقد يكون ’عدوانيًّا- داخليًّا‘، حيث يضر الشخص نفسه أو يشعر بكراهية الذات. قد يكون الغضب علامة على وجود اضطراب في الشخصية أو جنون الشك، ويمكن أيضًا أن يسهم في مشاكل الاكتئاب والقلق وتناول الطعام.

القلق: عاطفة طبيعية عندما يواجه الشخص حدثًا أو قرارًا مجهِدًا، ويصبح مشكلة إذا كان الشخص يشعر بالقلق طوال الوقت، أو إذا شعر بقلقٍ طاغٍ. وهو يتضمن الشعور بالتوتر، وعدم الارتياح، واضطراب البال، والخوف. تتنوع الأسباب المحتملة بشكل كبير، ابتداءً من تجارب الطفولة إلى القابلية الوراثية.

والقلق عامل رئيس في عدد من الاضطرابات، مثل: اضطراب تشوه صورة الجسم، واضطراب القلق العام، ونوبات الهلع، واضطراب الوسواس القهري، والرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة.

اضطراب القلق العام: تشخيص حالة قلق عامة، يصيب الناس الذين يشعرون دائمًا بالقلق والخوف من دون سبب معين.

الانتحار وإيذاء النفس
 إيذاء النفس: مجموعة من السلوكيات التي يمكن أن تتخذ أشكالًا عديدة، من جرح أو تسميم النفس إلى شد الشعر، والإفراط في ممارسة التمارين، وتناول جرعة زائدة من العقاقير المخدرة، واضطرابات الأكل.

إنها وسيلة للشعور بالتحرر من مشاعر عصيبة. يقول البعض إن ذلك يمنحهم شعورًا بالسيطرة، أو أنه ينقل الكرب الشديد -بل والمشاعر الانتحارية- إلى الآخرين. وقد تتضمن الأسباب ضغطًا من المدرسة أو العمل، أو مخاوف بشأن التنمر، أو الاعتداء، أو مشاعر عصيبة مرتبطة بمشكلة صحية نفسية أخرى، أو الاكتئاب والقلق والغضب.

مشاعر انتحارية: الشعور بعدم الرغبة في العيش. من المرجح أن يشعر الشخص ذو المشاعر الانتحارية بطغيان مشاعر غير محتملة وتجارب مؤلمة، وربما لا يرى أي حل آخر سوى ’العدم‘. قد تنجم هذه المشاعر من قائمة طويلة من العوامل التي تشمل العزلة والوحدة، وانهيار علاقة ما، والتنمُّر، والديون، والحالات المرضية البدنية، ومشاكل الصحة النفسية مثل الاكتئاب واضطراب الشخصية الحدية والفصام والاضطراب ثنائي القطب.

أخرى
التوحد: اضطراب مرتبط بمراحل النمو، ولا يُعتبر غالبًا مشكلة صحية نفسية مستقلة بذاتها، ولكن قد يقترن باضطراب نفسي مثل القلق أو الاكتئاب. ولدى معظم الناس المصابين بالتوحد مشاكل متعلقة بالتفاعل الاجتماعي والتواصل واللغة، ولديهم كذلك نطاق ضيق من الأفكار والاهتمامات والأنشطة التي يتم تنفيذها بشكل متكرر. هذه السمات تجعل الحياة اليومية مربكة بل ومخيفة. وقد يعاني بعض الناس المصابين بمرض التوحد أيضًا مشاكل خاصة بحساسية حواسهم.

الخَرَف: حالة مرتبطة بالتدهور المستمر للدماغ الذي يتجاوز الشيخوخة الطبيعية. قد يواجه الأشخاص الذين يعانون من الخرف مشاكل في فقدان الذاكرة واللغة والفهم وحصافة الرأي. ويرافق هذه الأعراض –عادةً- لامبالاة أو صعوبة في السيطرة على العواطف أو ضعف الحافز.

يمكن أن تشمل الأعراض أيضًا الاكتئاب، وتغيرات في المزاج أو الشخصية. وينجم الخرف عن مرض أو إصابة، ومن الأمثلة عليه مرض ألزهايمر؛ الناجم عن تراكم بروتينات غير طبيعية في الدماغ، أو السكتة الدماغية؛ التي تقتل الخلايا بسرعة عن طريق تثبيط تدفق الدم إلى الدماغ.

اضطرابات تفارُقية (فصامية): حالات مرضية تُغيّر إدراك الشخص للواقع، وتتجاوز الفترات الوجيزة العادية من الشعور ’بالانعزال‘. ترتبط هذه الحالات غالبًا بتجارب فاجعة، ويمكن أن ينتهي الحال بمن يعانون من اضطراب تفارقي إلى فقدان الذاكرة أو الشعور بأن أجسامهم غير حقيقية.

وهناك عدة أنواع: في فقدان الذاكرة التفارقي ينسى الشخص الأحداث المهمة أو المعلومات الشخصية، وفي اضطراب تبدد الشخصية يشعر الشخص بالانفصال عن جسمه، وفي الشرود التفارقي قد يسافر الشخص إلى مكان جديد وينتحل هوية جديدة، وفي اضطراب الهوية التفارقي يعاني الشخص من تبدل هويته بين شخصيات مستقلة.

الوحدة: حاجة لم يشبعها التواصل والعلاقات الاجتماعية. وهي لا توازي كون المرء منفردًا، فهناك كثير من الناس راضون بانفرادهم بأنفسهم. قد تتسبب ظروف مثل التقاعد أو الانتقال إلى منطقة جديدة في الشعور بالوحدة، ولكن بعض الناس يشعرون بالوحدة بغض النظر عن وضعهم. قد يعتبرون أنفسهم غير محبوبين ويفقدون الثقة بأنفسهم، وينعزلون عن الآخرين. وربما تسهم ظروف مثل الاكتئاب أو القلق أو نوبات الهلع أو الرهاب في الشعور بالوحدة، والعكس صحيح.

اضطراب الوسواس القهري: اضطراب القلق حيث تسيطر على تفكير الناس أفكار مستمرة مثيرة للقلق. ربما يقلقون بشأن إيذاء أنفسهم أو الآخرين، على سبيل المثال، أو تنتابهم هواجس بشأن العدوى والمرض. وللسيطرة على أفكارهم التي تستحوذ عليهم، ينتهجون أفعالًا قهرية.

الشخص الذي يقلق من الجراثيم، على سبيل المثال، قد يتبع طقوسًا لغسل اليدين يكررها عدة مرات في اليوم.

جنون الشك: حالة تنتاب الناس فيها مخاوف وأفكار مبالغ فيها ولا أساس لها إلى حد كبير. وتشمل أنواعه الشائعة شعور الناس بأنهم معرضون لضرر نفسي (شخص ما ينشر الشائعات بشأنهم أو يتنمر بهم)، أو لأذى جسدي (شخص يريد إلحاق الضرر بهم)، أو لضرر مالي (شخص ما يسرق منهم).

وإذا كان جنون الشك يشكل جزءًا من اضطراب ذهاني، ربما يسمع الشخص أصواتًا أيضًا، مما قد يفاقم المشكلة. وتشمل العوامل التي يمكن أن تتسبب في الحالة الأحداث المجهِدة في الحياة، والقلق، والاكتئاب، وقلة النوم، والأمراض الجسدية، والمخدرات، والكحول.

الرهاب: مخاوف شديدة تستثيرها أجسام أو مواقف أو أحداث غير ضارة بطبيعتها. وهي تختلف عن المخاوف اليومية حيث تستمر أكثر من ستة أشهر، ويكون لها تأثير كبير على حياة الشخص. الرهاب قد يكون محددًا، مثل الخوف من الحيوانات أو المرتفعات أو الأنفاق أو الحقن، كما يمكن أن يكون أكثر تعقيدًا، مثل الخوف من المواقف الاجتماعية أو الأماكن المفتوحة.

الشخص الذي لديه رهاب يصاب بقلق شديد، وأعراض جسدية مثل الدوار والتعرق، بل ربما يعاني نوبات هلع.

اضطراب الكرب التالي للصدمات أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): اضطراب القلق الذي يلي حدثًا فاجعًا مثل الحرب، أو حادثة مرور، أو اعتداء، أو كارثة طبيعية. وفي حين أنه من الطبيعي الشعور بالانزعاج بعد المرور بمثل هذه الحوادث، تستمر الأعراض في اضطراب الكرب التالي للصدمات مدة أطول من شهر وتكون حادة للغاية.

تشمل الأعراض كوابيسًا وأفكارًا أليمة، واجترارًا للذكريات يسترجع الناس فيها الصدمات، فضلًا عن الأعراض الجسدية مثل الأرق والتعرق والارتعاد.

احترام الذات: عبارة تصف الآراء التي يكوِّنها الناس عن أنفسهم وقدراتهم وتطلعاتهم. يميل أولئك الذين يعانون من تدني احترام الذات إلى التركيز على الأخطاء التي ارتكبوها ونقاط ضعفهم. وتشمل العوامل التي يمكن أن تسهم في تدني احترام الذات: الاكتئاب، والقلق، وكذلك الإجهاد، والعلاقات السيئة مع الناس، والوحدة، والتنمُّر في مرحلة الطفولة، وأحداث الحياة العصيبة مثل الثُّكْل.

الحالات المرتبطة بالعمر، مثل الخرف ومرضي الشلل الرعاش وألزهايمر، مُدرَجة أيضًا في الاضطرابات النفسية.

ومن الجدير بالذكر تأثير الصراعات والكوارث الطبيعية على الصحة النفسية في ضوء الأزمات الأخيرة أو طويلة الأجل التي لا تزال تؤثر على الملايين حول العالم. على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليوني سوري يعانون اضطرابات نفسية خفيفة إلى معتدلة. وفي سري لانكا، حيث تفاقم تأثير الصراعات الداخلية التي استمرت أكثر من 25 عامًا بوقوع تسونامي عام 2004، أثّر القلق والاكتئاب واضطراب الكرب التالي للصدمات على الكثير.[2]

وبالمثل، سعى أكثر من 20 ألف شخص في هايتي لنيل رعاية لاحتياجات نفسية في غضون 18 شهرًا من وقوع الزلزال الكبير الذي ضرب البلاد في عام 2010. وفي أبريل من عام 2015 واجهت نيبال زلزالًا مدمرًا، واعتبارًا من مايو 2015 كان 5% على الأقل من الناس المتضررين معرضين لخطر المعاناة من مشاكل الصحة النفسية. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن حالات الطوارئ الإنسانية تؤدي إلى اضطرابات نفسية في 5-10% من السكان المتضررين.

ومن العوامل المهمة المحددة للأمراض النفسية العنف بمختلف أشكاله، مثل الاعتداء الجنسي والاتجار في البشر والعنف الأسري من قبل شريك الحياة، الذي يصيب الأطفال والنساء في الغالب. وكشف تحليل تجميعي لدراسات على النساء اللواتي يتعرضن لعنف الشريك الحميم عن وجود اضطراب الكرب التالي للصدمات في أكثر من 60% من النساء، والاكتئاب فيما يقرب من النصف، وأفكار انتحارية ومعاقرة الكحول في حوالي الخمس، وتعاطي المخدرات في نحو 9%.[3]

يمكن أيضًا أن تؤثر العوامل الاجتماعية -مثل التعرض للفقر- على خطر الإصابة بمرض نفسي. وتكشف دراسات من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل عن وجود ارتباط ملحوظ بين مؤشرات الاكتئاب والفقر، مثل التعليم المحدود، والدخل المنخفض، وعدم وجود وظائف، وصعوبات الإسكان.[4]

وعلى الرغم من أن الاضطرابات النفسية قد تؤثر على أي شخص بغض النظر عن العمر أو الجنس، بعض المشاكل خاصة بنوع الجنس، مثل ظهور الاكتئاب في النساء في أثناء الحمل أو بعده. ووفقًا لمراجعة منهجية في 2012، يعاني نحو 10% من الحوامل و13% من اللواتي وضعن مؤخرًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من القلق والاكتئاب.[5]

وبالمثل، ترتبط بعض الأمراض النفسية بتقدم السن. وغالبًا ما ترتبط مخاطر الصحة النفسية لكبار السن بأمراض متصلة بالدماغ، مثل الخرَف ومرضي الشلل الرعاش وألزهايمر، إلى جانب الإهمال الأسري والاجتماعي والوحدة. في البلدان النامية، يعاني حوالي 15% ممن تجاوزوا الستين اضطرابًا نفسيًّا. ومن المتوقع أن يزيد عدد الأشخاص الذين يعانون من الخرَف في أنحاء العالم من 47.5 مليونًا حاليًّا إلى 135.5 مليونًا في عام 2050، ومعظمهم ممن يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

حياة أقصر، واعتلال الصحة، وتأثيرات أخرى

تمثل الاضطرابات النفسية 13% من عبء المرض العالمي الإجمالي (انظر الشكل 2).[6] الاكتئاب هو ثالث أهم مسهم في هذا العبء، وفقًا لتقديرات 2011: ما يقدر بنحو 13% من حالات الانتحار يرتكبها أشخاص يعانون الاكتئاب، كما أن الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب عرضة لقتل أنفسهم بمعدل 20 ضعفًا أكثر من غيرهم.[7]

الانتحار هو مسهم رئيس في عدد الوفيات عبر كل الأعمار في العالم. وينهي ما يقرب من 900 ألف شخص حياتهم كل عام، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.5 مليون حالة وفاة بحلول عام 2020.[8] في حين أن الحصول على معلومات دقيقة حول الانتحار صعب في النصف الجنوبي من العالم بسبب عقبات سياسية وثقافية ودينية، يشير أول تقرير عالمي لمنظمة الصحة العالمية عن منع الانتحار إلى أن ثلاثة أرباع حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.[9]

تبين دراسة المليون حالة وفاة التي أجريت في الهند مدى أهمية الاهتمام بالانتحار في بعض البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل: فمعدلات الانتحار فيها من بين أعلى المعدلات في العالم (انظر الشكل 2). وتشير تقديرات الدراسة لعام 2010 إلى أن نحو 3% من جميع حالات الوفاة لأولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة فما فوق كانت بسبب الانتحار، وأن 40- 50% من حالات الانتحار كانت لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، مع كون النساء أكثر تأثرًا من الرجال.

 وبعيدًا عن الانتحار، هناك أسباب أخرى عديدة للوفيات نتيجة مرض نفسي.[10] تزيد الاضطرابات النفسية من خطر تعاطي مواد معينة، مثل شراهة التدخين والإسراف في معاقرة الكحول، فضلًا عن العادات الغذائية غير الصحية. وهذه السلوكيات قد تؤدي إلى مشاكل صحية أخرى مثل تشمع الكبد.


وفي بعض الحالات، يتضافر نمط الحياة مع المرض النفسي لرفع خطر الإصابة بحالات مرضية أخرى. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من الفصام ويعاقرون الكحول هم عرضة للانخراط في سلوك جنسي محفوف بالمخاطر، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض الجنسية المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز’فيروس العوز المناعي البشري‘ HIV/AIDS 

عمومًا، قد تقلل الأمراض النفسية بشكل كبير متوسط العمر المتوقع. وفي دراسة استغرقت 20 عامًا على المصابين بالفصام في جنوب الهند، كان متوسط العمر عند الوفاة تقريبًا 34 عامًا، مقارنة بالمعدل الوطني الذي يتجاوز 60 سنة بقليل.[11]

وتختلف وطأة الآثار، بما في ذلك الإقصاء الاجتماعي، وفقًا للسن ونوع المشكلة.[12]

وهناك آثار أخرى تحظى باهتمام متزايد. على سبيل المثال، للصحة النفسية للأمهات تأثير كبير على صحة الأطفال ونوعية الحياة. ووفقًا لمراجعة منهجية في عام 2011، يشمل تأثير الاكتئاب الأمومي عبر الأجيال أن يولد الأطفال ناقصي الوزن أو لا يكتمل نموهم.[13] وإحدى النتائج المذهلة لهذه الدراسة أنه إذا لم يتعرض الأطفال المتضررون بتاتًا للاكتئاب الأمومي وهم أطفال رضع، سينخفض عدد الأطفال ناقصي الوزن أو غير مكتملي النمو بمقدار الثلث تقريبًا.

وتشير دراسة أجريت على النساء في مالاوي إلى أن الاكتئاب الأمومي يزيد أيضًا مخاطر سوء التغذية، والأمراض المعدية، ودخول المستشفى، وتطعيمات أقل لأطفالهن بسبب سلوكيات مثل عدم توفر الرعاية البدنية أو التفاعل الاجتماعي.[14]

للأمراض النفسية أيضًا تكاليف اقتصادية كبيرة.[12] قدّر المنتدى الاقتصادي العالمي تكلفة الخسائر الإنتاجية في البلدان ذات الدخل المنخفض بسبب المرض النفسي بقرابة 200 مليار دولار أمريكي في عام 2010، ومن المقرر أن تتضاعف بحلول عام 2030.[15]

ومع ذلك لا تستثمر هذه الدول سوى 0.5% من مجموع إنفاقها على الرعاية الصحية على الصحة النفسية، مقارنة بنسبة 2.4% في البلدان ذات الدخل المتوسط و5.1% في البلدان ذات الدخل العالي.
 
الوصمة والعقبات الأخرى لنيل الرعاية

وعلى الرغم من العبء الهائل للأمراض النفسية، والفاعلية الثابتة لبعض العلاجات في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل، يتلقى العلاج واحد فقط من كل خمسة أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية حادة في هذه البلدان.[16] يطلق الخبراء على هذا ’فجوة العلاج‘.[17]

ولا يلقى علاج الاضطرابات النفسية تركيزًا يُذكر للسياسات في العالم النامي. ووفقًا لأطلس منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2014، أبلغ 60% فقط من 171 دولة شملها المسح عن وجود بيانات أو أدلة على كل ما يلي: خطة سياسة أو عمل ذات صلة، وقوانين ذات صلة، وبرامج لتعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية، وخدمات صحة نفسية، وقوى عاملة مكرسة.[1] والسجل أسوأ عندما يتعلق الأمر بخطط العمل: يملك 15% فقط من البلدان خطة تنفذ تنفيذًا كاملًا، و14% لديه خطة لم تنفذ، و10% ليس لديه خطة على الإطلاق.

وهناك أيضًا إمدادات محدودة من الموارد: مثل الأطباء النفسيين والممرضين والعاملين في مجال الرعاية، وأسِرَّة المستشفيات وغيرها من المرافق.[18] ولدى البلدان المنخفضة الدخل أقل من خمسة أطباء نفسيين لكل مليون شخص في المتوسط، أي أقل 10 مرات على الأقل من البلدان عالية الدخل، والفرق في عدد ممرضات الطب النفسي أعلى من ذلك بكثير.[1]

تُظهر هذه الأرقام تفاوتات ضخمة في كيفية توزيع الموارد البشرية الماهرة في مجال الصحة النفسية في أنحاء العالم (انظر الشكل 2). على سبيل المثال، سيراليون التي عانت من صراع أهلي دام سنوات وتفشي إيبولا قاتل في الآونة الأخيرة لديها طبيب نفسي واحد فقط يخدم البلد بأكمله. ويوجد في الهند عامل واحد فقط في مجال الصحة النفسية لكل 100 ألف شخص، على الرغم من المعدل الوطني العالي للانتحار الذي يبلغ 21 حالة لكل 100 ألف شخص.

وخارج نطاق القوى العاملة والاستثمارات المحدودة في مجال الرعاية الصحية النفسية، يواجه الناس في البلدان النامية حاجزًا آخر أمام الرعاية: التفكير السائد بأن الوصمة تحيط غالبًا بالمرض النفسي (انظر الإطار 1). تثني الوصمة والإقصاء الاجتماعي الناس عن طلب المساعدة، وتؤخِّر بداية العلاج المناسب وشفاءهم على حد سواء. في نهاية المطاف، من المرجح أن يفقد أي شخص منطوٍ عاطفيًّا واجتماعيًّا الفرصة ليعيش حياة كاملة ومنتجة.[19]

الإطار 1: الصحة النفسية والوصمة
في العديد من البلدان -لكن ربما بشكل أكثر في النصف الجنوبي من العالم- الشخص المريض نفسيًّا معرض للوصم اجتماعيًّا، أو التمييز، أو الإقصاء الاجتماعي الذي يحد من فرص العمل. يؤثر هذا على كل من معيشة الأشخاص وإنتاجية البلد، ويترجَم إلى تكلفة اجتماعية واقتصادية عالية.

في البلدان النامية، حيث يعيش كثير من الناس في فقر، ويكسبون لقمة العيش من خلال عمل غير رسمي على أساس يومي، يمكن لهذا التمييز والإقصاء أن يؤثرا بشدة على حياتهم. وبسبب تكاليف الرعاية الصحية المرتفعة والحاجة إلى إجراء مشاورات متعددة، إما أن يتخطى الناس الذين يعيشون على خط الفقر مرحلة الرعاية الأساسية أو يسقطوا في براثن الفقر.

ويعتقد الخبراء أن الوصمة تنشأ من ثلاثة أسباب.[20] الأول هو نقص المعرفة العلمية عن الصحة النفسية بين العامة، أو المعلومات المضللة التي ينشرها المتطببون الدجالون، مما يؤدي إلى معتقدات خطأ حول ارتباط المرض النفسي بالإثم أو أسباب خارقة للطبيعة.

السبب الثاني المواقف والتحيزات السلبية التي قد يعتقدها الناس، لذلك يُقصون المرضى أو يمارسون التمييز ضدهم. وأخيرًا، كثيرًا ما يصم المرضى أنفسهم بإضفاء صفة ذاتية على المواقف السلبية، وهذا قد يصب في صميم مرضهم النفسي.

 تشير الدراسات إلى اختلافات في الوصمة بين المجموعات الثقافية. على سبيل المثال، في معظم دول أفريقيا يمثل هذا وباءً صامتًا، يختبئ الأشخاص الذين يعانون مرضًا نفسيًّا من مجتمعاتهم المحلية.21]

وقد يتأثر وصم الأمراض النفسية بعوامل أخرى، والتي تتأثر بدورها بالثقافة بشكل كبير. السبب المتصوَّر للمرض هو أحد الأمثلة على ذلك: ففي إحدى الدراسات، أدى الاعتقاد بأن المرض النفسي له أصل وراثي إلى إصدار الأمريكيين-الصينيين والأمريكيين-الأوروبيين أحكامًا مختلفة بشأن الزواج والإنجاب.[22] ووراء الوصمة، تؤثر الثقافة على الأمراض النفسية بطرق متنوعة، مثلًا في كيفية وصف الناس أو تسمية المتلازمات السريرية أو تقبل العلاج.

 
استراتيجيات واعدة قائمة على أدلة

تواجه الجهود المبذولة لرأب فجوة علاج الأمراض النفسية العديد من الحواجز. لذا تُعَد الاستراتيجيات المبتكرة ضرورية للتغلب عليها. وقد حاولت بعض البرامج تذليلها من خلال دمج الصحة النفسية في خدمات الرعاية الصحية الأساسية، مما يجعل رعاية الأمراض النفسية أكثر سهولة وفي المتناول.

وثمة نهج آخر هو تدريب عمال الصحة العاديين أو عمال الصحة المجتمعية على تقديم علاجات الصحة النفسية. هذا يتفادى حواجز عدم وجود موارد بشرية كافية. ومع ذلك هناك نهج آخر يكيِّف العلاجات بطريقة منهجية لمواجهة الوصمة وغيرها من الاعتبارات التي تتعلق بالبيئة الاجتماعية، للتعامل مع حاجز القبول.

وقد أثبت العاملون غير المتخصصين في مجال الصحة، ومن دون أي خلفية عن الصحة النفسية، أنه يمكنهم تقديم العلاج بشكل فعال بعد مدة قصيرة نسبيًّا من التدريب ومع الإشراف المستمر.[23] ينبع أحد هذه الأمثلة من باكستان. حيث أثبتت تجربة، بتمويل من منظمة الأبحاث الخيرية ويلكوم ترست، أن هذا التدخل يمكن دمجه في أنظمة الرعاية الصحية عندما تكون القوى العاملة في مجال الصحة النفسية أو الموارد محدودة.[24]

وفي أوغندا، درّب برنامج Heartsounds ’عمالًا مدعومين من زملائهم‘؛ لمساعدة الناس الذين استخدموا خدمات الصحة النفسية في كمبالا بعد عودتهم إلى ديارهم، مما يساعد على محاربة الوصمة والتمييز المرتبطين غالبًا بالحصول على مساعدة.

يمكن لهذا النموذج أيضًا أن ينجح في ظل الأوضاع الإنسانية، في أثناء الصراعات أو بعدها مثلًا. وأشارت دراسة صدرت مؤخرًا من سريلانكا إلى هذه الإمكانية.[25]

وجعل الخدمات حساسة ثقافيًّا خطوة مهمة تجاه جعلها في المتناول، وتستدعي الحواجز الثقافية أمام التماس المساعدة انتهاج أساليب غير تقليدية للعلاج، ربما يكون الناس أكثر استعدادًا لتقبلها.[26] وقد جادل الطبيب النفسي فيكرام باتِل بأنه ينبغي تكييف النماذج الغربية للرعاية الصحية النفسية لتناسب البلدان منخفضة الدخل، لأن الموارد أيضًا محدودة.

ويُعَد تكييف خدمات الصحة النفسية ثقافيًّا أمرًا صعبًا، وحقق نتائج متباينة، لكن تم استخدام إطار عمل للتدخلات النفسية والاجتماعية الحساسة ثقافيًّا -نُشر منذ عقد من الزمن- على نطاق واسع.[27، 28]
 

 الدعم الفني
 

وبعد الرعاية المجتمعية، يمكن للرعاية الصحية النفسية الحديثة أيضًا الاستفادة من التكنولوجيا، مثل الهواتف المحمولة وعقد المؤتمرات عن بعد؛ لتوفير رعاية شخصية أو فردية.

وعلى الرغم من أن استخدام الهاتف المحمول في البلدان النامية في تزايد مستمر، يجادل الخبراء بأن إمكانات التدخلات الصحية القائمة على الهاتف المحمول (أو mHealth) لم تتحقق بعد تمامًا بالنسبة للصحة النفسية.[29]

وهناك ميل لعدم استغلال الأدوات التكنولوجية بالكامل في البلدان النامية: في العام الماضي فقط وجدت مراجعة منهجية للبرامج التي تستخدم الإنترنت لتوفير الرعاية الصحية النفسية في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل أدلة قليلة جدًّا لاستخلاص استنتاجات.[30]

لكن ثمة برنامج مصمم للمساعدة في رعاية الأطفال الذين يعانون اضطرابات متعلقة بالنمو في المناطق الريفية في باكستان يبين كيف يمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات والهاتف المحمول لتدريب أسرهم على تقديم الدعم . وتبين دراسة بين ذوي الدخل المنخفض في الولايات المتحدة أن الرسائل النصية قد تتمم علاج الاكتئاب، مما يساعد على تتبع أنماط تفكير المرضى، وأنشطتهم، وصحتهم بصفة عامة.[31]

قد تكون هناك ميزة أخرى لاستخدام الهواتف المحمولة في الرعاية الصحية النفسية: إذ إن العديد من الناس يرون الهواتف الذكية رمزًا للوضع الاجتماعي، يستطيع العاملون في مجال الرعاية استخدامها لمعالجة وصمة المرض النفسي.[29] يمكن القيام بهذا من خلال تشجيع المرضى على استخدامها للوصول إلى الخدمات، ومن خلال ربط العلاج بالأجهزة كوسيلة لتغيير المواقف الاجتماعية تجاه الصحة النفسية على حد سواء.

وثمة طرق جذرية أكثر لاستخدام التكنولوجيا في علاج الأمراض النفسية قيد التطوير.[33] تشمل هذه الطرق المعالجة من خلال الواقع الافتراضي، وأساليب تعتمد على الكمبيوتر، وألعاب فيديو للمسعفين ومقدمي الرعاية أو المرضى.


سبل المضي قدمًا

يمثل توفير الرعاية للاضطرابات النفسية تحديًا في أي جزء من العالم. وترمي مبادرات مثل برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية (mhGAP) بواسطة منظمة الصحة العالمية إلى تخفيف أزمة الصحة النفسية في العالم النامي أو المناطق ذات الموارد المحدودة مثل مناطق النزاع. ولها أهمية بالغة أيضًا في تعزيز تدريب المهنيين في مجال الصحة، وتعزيز قبول الاضطرابات النفسية بشكل أكثر انفتاحًا، ومعالجة الوصمة ضد الأشخاص المصابين بمرض نفسي.

واستحوذت مبادرات مثل مشروع جودة الرعاية وحقوق الإنسان (QualityRights) لمنظمة الصحة العالمية، الذي يعزز حقوق الإنسان ونوعية رعاية أفضل لمرضى الصحة النفسية، على انتباه شخصيات عامة، مثل المنتج السينمائي جاري فوستر والمؤلف جريجوري ديفيد روبرتس – وهي وسيلة فعالة لتحقيق تقدم نحو نوعية أفضل لحياة ملايين الناس الذين يعانون من اضطرابات نفسية في العالم النامي.
 

نيرجا تشودهاري هي طبيبة نفسية مقيمة في الهند (منسقة الصحة النفسية على الصعيد العالمي سابقًا في الهيئة الطبية الدولية)، وفيجاي شانكار هو صحفي مستقل مقيم في المملكة المتحدة. يمكن التواصل مع تشودهاري على [email protected] وشانكار على [email protected].
 
هذا التحليل جزء من إضاءة.. قضايا الصحة النفسية يمكنكم مطالعته عبر العنوان التالي:
Mental illness burden and care facts and figures

References

 

[1] Mental health illness 2014 (WHO, 2015)
 
[2] Chesmal Siriwardhana and Kolitha Wickramage Mental distress and potentially modifiable social factors in post-conflict Sri Lanka (The Lancet Psychiatry, 12 January 2016)
 
[3] Jacqueline M. Golding Intimate partner violence as a risk factor for mental disorders: a meta-analysis (Journal of Family Violence, June 1999)
 
[4] Crick Lund and others Poverty and common mental disorders in low and middle income countries: A systematic review (Social Science & Medicine, 2010)
 
[5] Jane Fisher and others Prevalence and determinants of common perinatal mental disorders in women in low- and lower-middle-income countries: a systematic review (Bulletin of the World Health Organization, February 2012)
 
[6] Global burden of mental disorders and the need for a comprehensive, coordinated response from health and social sectors at the country level (WHO, 1 December 2011)
 
[7] Pamela Y. Collins and others Grand challenges in global mental health (Nature, 6 July 2011)
 
[8] José Manoel Bertolote and Alexandra Fleischmann Suicide and psychiatric diagnosis: a worldwide perspective (World Psychiatry, 2002)
 
[9] Preventing suicide: a global imperative (WHO, 2014)
 
[10] Elizabeth Reisinger Walker and others Mortality in mental disorders and global disease burden implications: a systematic review and meta-analysis (JAMA Psychiatry, April 2015)
 
[11] R Thara Twenty-year course of schizophrenia: the Madras Longitudinal Study (Canadian Journal of Psychiatry, 2004)
 
[12] Mental health and work: impact, issues and good practices (WHO, 2000)
 
[13] Pamela J. Surkan and others Maternal depression and early childhood growth in developing countries: systematic review and meta-analysis (Bulletin of the World Health Organization, 26 May 2011)
 
[14] Robert C. Stewart and others Maternal common mental disorder and infant growth — a cross-sectional study from Malawi (Maternal & Child Nutrition, 14 July 2008)
 
[15] The global economic burden of non-communicable diseases (World Economic Forum and the Harvard School of Public Health, September 2011)
 
[16] Vikram Patel and Graham Thornicroft Packages of care for mental, neurological, and substance use disorders in low- and middle-income countries: PLOS Medicine series (PLOS Medicine, 6 October 2009)
 
[17] WHO World Mental Health Survey Consortium Prevalence, severity, and unmet need for treatment of mental disorders in the World Health Organization world mental health surveys (The Journal of the American Medical Association, 2 June 2004)
 
[18] Shekhar Saxena and others Resources for mental health: scarcity, inequity, and inefficiency (The Lancet, September 2007)
 
[19] Peter McGovern Why should mental health have a place in the post-2015 global health agenda? (International Journal of Mental Health Systems, 11 October 2014)
 
[20] Rahul Shidhaye and Michelle Kermode Stigma and discrimination as a barrier to mental health service utilization in India (International Health, 2013)
 
[21] Mary Amuyunzu-Nyamongo The social and cultural aspects of mental health in African societies In: Commonwealth health partnerships 2013 (Commonwealth Health Online, 2013)

[22] Ahtoy J. WonPat-Borja and others Eugenics, genetics, and mental illness stigma in Chinese Americans (Social Psychiatry and Psychiatric Epidemiology, January 2012)

[23] Vikram Patel and others Improving access to psychological treatments: Lessons from developing countries (Behaviour Research and Therapy, September 2011)

[24] Atif Rahman and others Cognitive behaviour therapy-based intervention by community health workers for mothers with depression and their infants in rural Pakistan: a cluster-randomised controlled trial (The Lancet, 13 September 2008)

[25] Chesmal Siriwardhana and others An intervention to improve mental health care for conflict-affected forced migrants in low-resource primary care settings: a WHO MhGAP-based pilot study in Sri Lanka (COM-GAP study) (Trials, 9 December 2013)

[26] Tormusa Daniel Orngu Cultural perspectives and attitudes toward mental health in Nigeria: social workers at a dilemma In: Social work practice in mental health: cross-cultural perspectives (Allied Publishers, 2015)

[27] Felipe González Castro and others Issues and challenges in the design of culturally adapted evidence-based interventions (Annual Review of Clinical Psychology, April 2010)
 
[28] Guillermo Bernal and Emily Sáez-Santiago Culturally centered psychosocial interventions (Journal of Community Psychology, 6 February 2006)
 
[29] Conor Farrington and others mHealth and global mental health: still waiting for the mH2 wedding? (Globalization and Health, 26 March 2014)
 
[30] R. Arjadi and others A systematic review of online interventions for mental health in low and middle income countries: a neglected field (Global Mental Health, January 2015)
 
[31] Adrian Aguilera and Ricardo F. Muñoz Text messaging as an adjunct to CBT in low-income populations: a usability and feasibility pilot study (Professional Psychology: Research and Practice, 2011)
 
[32] Syed Usman Hamdani and others Model for service delivery for developmental disorders in low-income countries (Pediatrics, December 2015)
 
[33] Pervasive computing paradigms for mental health (Springer, 2014)