Skip to content

06/08/13

في مصر.. ‘نزيف العقول’ اتصل بنزيف الدماء

Egyptian Spending_Panos
حقوق الصورة:Adam Hinton / Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • تكاد الصلة بين مُهاجري علماء مصر وبلدهم تنقطع
  • الظروف السياسية التي تمر بها مصر، تدفع إلى هجرة العقول لا استقدامها
  • هجرة عقول مصر كبدتها 50 مليار دولار من منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى تسعينياته

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تكاد الصلة بين مُهاجري علماء مصر وبلدهم تنقطع؛ إذ "26% من العلماء المصريين الذين هاجروا للخارج يحتفظون بخيط رفيع يربطهم بالبلد، بينما النسبة الباقية قطعت علاقتها تماما".

خلصت أكاديمية البحث العلمي المصرية لتلك النتيجة، بعد دراسة نشرتها عام 2012 تحت اسم 'سياسة البحث العلمي وهجرة العقول'. وعقب 'ثورة 25 يناير' نشطت الأكاديمية -وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن تمويل البحوث- لاستعادة نسبة الربع هذه.

لكن رئيس الأكاديمية الدكتور ماجد الشربيني يعترف بأن الأمر صار عسيرا بسبب الظروف السياسية التي تمر بها مصر، والتي تدفع لهجرة العقول لا استقدامها، لتضيف إلى نزيف الدماء على أرض شوارع مصر جراء الاحتراب السياسي، شكلا آخر هو 'نزيف العقول'.

الشربيني خص موقع SciDev.Net بقوله: "كانت الروح المعنوية بعد ثورة '25 يناير' مرتفعة للغاية، وشعرنا وقتها -من خلال التواصل مع العلماء بالخارج- أن لديهم رغبة قوية في العودة، ولكن الأمر بات صعبا للغاية بسبب ما تشهده مصر من أحداث".

وشهدت مصر خلال العامين الماضيين سلسلة من الاضطرابات -لا تزال مستمرة حتى الآن-بلغت ذروتها بعد 30 يونيو الماضي بعزل أول رئيس منتخب بالبلاد، فقتل ما يزيد على 500، وأصيب أكثر من 7000، وهو "مناخ طارد للعقول"، على حد تعبير الشربيني.

واستشهد رئيس الأكاديمية بأزمة الطاقة قبل ذلك التاريخ، وتساءل: "هل تنتظر من عالم مصري قرارا بالعودة إلى مصر، بعدما شاهد -على شاشات التليفزيون- المصريين يقفون لساعات في محطات الوقود، كي يفوزوا ببضعة لترات بنزين يضعونها في سيارتهم؟".

ويخلص الشربيني من هذا إلى القول بأن فرص استعادة العلماء باتت شبه معدومة، بل "ثمة خوف حقيقي من هجرة القلة التي عادت بعد ثورة '25 يناير'، وهي تعد على أصابع اليد الواحدة".

ووفق إحصاءات الجامعة العربية، التي ذكرها الأمين العام للجامعة د. نبيل العربي في مؤتمر 'عندما تتكامل العقول العربية'، الذي نظمته الجامعة في مارس الماضي، يوجد 600 عالم مصري يعملون في تخصّصات نادرة بالغرب، فضلا عن سبعة آلاف عالم وخبير.

مناخ طارد

التخوف الذي أعرب عنه الشربيني، تفصل أسبابه الدكتورة تيسير أبو النصر، العميد السابق لكلية الهندسة بجامعة بريتش كولومبيا في كندا، وتعمل حاليا في جامعة النيل بمصر.
بعد ثورة '25 يناير' عادت الدكتورة تيسير، تحدوها آمال عِراض، أما هذه الأيام فهي تعاني حالة من الإحباط الشديد.

وتخص الدكتورة تيسير موقع SciDev.Net بقولها: "لو أني شابة لا زلت في منتصف العمر، ولو أن أبنائي صغار، أخشى عليهم من الحالة الأمنية في مصر، لاتخذت قرار العودة للخارج على الفور".

الظروف التي توافرت للدكتورة تيسير، ولم تتخذ بسببها قرار العودة إلى كندا، لم تتوافر لغيرها ممن دفعتهم الاضطرابات إلى اتخاذ هذا القرار.

لذا فهي تقول: "أعرف الكثير منهم، ولا يلومهم أحد، فهم جاءوا بروح إيجابية قتلها مناخ العنف في المجتمع".

الروح الإيجابية التي تحدثت عنها 'تيسير' لا تزال موجودة لدى سامح علي، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، العائد إلى مصر بعد ثورة '25 يناير' للعمل في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا.

لدى الدكتور سامح طفلان، مسؤول عن أمنهما وحياتهما، وهو أمر قد يدفع باحثين لا يزالون في منتصف الطريق ولديهم أطفال في اتجاه العودة للمهجر، لكنه بشيء من الثبات يقول لموقع SciDev.Net: "لم تصل الأمور بعد إلى الدرجة التي تستدعي العودة، فلا يزال الأمر تحت السيطرة، ولم يتطور إلى حرب أهلية".

وأضاف سامح: "الإحساس بأن مصر مقبلة على حرب أهلية، هو السيناريو الوحيد الذي قد يدفعني إلى العودة".

ويتمنى الدكتور سامح عدم الوصول لهذه المرحلة، حتى يتمكن من تحقيق بعض طموحاته التي جاء بها من أمريكا، وأراد تحقيقها في مصر، من خلال عمله في مدينة زويل.
وقال سامح: "طموحي أن نضع مصر على الطريق الصحيح، من خلال إنتاج التكنولوجيا محليا، حتى لا نظل مستوردين لها، ونشر ثقافة البحث العلمي في المجتمع، بإنشاء وادٍ للصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية، بحيث نكفي السوق المصرية سلعا تستوردها مثل الإنسولين، وتعليم الطلاب بمستويات عالمية تجبر المتميزين منهم على البقاء لنتخلص من نزيف العقول".

يتماسك 'سامح علي' طالما كان سيناريو الحرب الأهلية بعيدًا، لكن طالبين يدرسان مع الدكتور محمد أبو حسين في المركز القومي للبحوث، لم ينتظرا هذا السيناريو، وسافرا منذ ثلاثة أشهر إلى كندا.

بكثير من الأسف، يحكي أبو حسين قصتيهما لموقع SciDev.Net قائلا: "كانت لديهما آمال وطموحات كبيرة، وأدتها الاضطرابات التي تشهدها البلاد".
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهما للهجرة هو مقتل شقيق أحدهما في إحدى المظاهرات، ولذا يتساءل أبو حسين: "ماذا تتوقع من باحث فقد أخاه في مظاهرة، هل نطلب منه إبداعا أو ابتكارًا؟".

ما يبعث على الأسف أكثر، أن الباحثين سافرا على وعد بالعودة بعد خوض تجربة الهجرة، "لعلهما يحصلان منها على ما يستطيعان به إفادة بلدهما، بعد استقرار الأوضاع"، كما يقول أبو حسين.

خسائر جمة

وعد الباحثين هو أحد مزايا 'هجرة العقول'، التي يتم ذكرها دائما عند تقييم الظاهرة، لكن هذه المزية لا تقارن بالخسائر، بحسب خبير التنمية الدكتور عبد السلام نوير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط.

الدكتور نوير -الذي شارك عام 2003 في دراسة "هجرة العقول العربية.. الأسباب والآثار الاقتصادية" لصالح مركز دراسات بحوث الدول النامية بجامعة القاهرة- أكد أن الخسائر الاقتصادية لهجرة العقول فادحة وجسيمة. 

وقال نوير لموقع SciDev.Net: "50 مليار دولار هو إجمالي الخسائر التي منيت بها مصر بسبب هجرة العقول خلال الفترة من 1975 وحتى التسعينيات، وهي نسبة مرشحة للزيادة في ظل العنف غير المسبوق الذي تشهده مصر".

وأوضح نوير أن هجرة العقول تؤدي إلى ضعف العائد الإنمائي للتعليم في مصر، حيث تُحرَم الدولة من كفاءات أُنفق عليها كثيرٌ من الجهد والمال.

ليس هذا فحسب، بل إن مصر تلجأ –أحيانا– إلى مواجهة نقص الكفاءات عن طريق جلبها من الخارج بتكلفة كبيرة، وبذلك "تكون الخسارة مزدوجة".

فهل يتوقف نزيف الدم .. حتى يتوقف نزيف العقول؟ هذا ما يتمناه الدكتور نوير، ومعه ملايين المصريين.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط