Skip to content

15/12/16

انعتاق الخليج من اقتصاد النفط مرهون بتمويل البحث العلمي

Funding research in Gulf
حقوق الصورة:AL-Bairaq/ Qatar University

نقاط للقراءة السريعة

  • البحث العلمي لم يصل بعد إلى درجة فاعلة في مجتمعات الخليج العربي
  • لذا فإن الإنفاق عليه بسخاء، وتنويع جهات التمويل هو واجب الوقت
  • ويتعين إزالة معوقاته، والاستثمار في بناء القدرات العلمية للعنصر البشري

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

تقول نادية الأنصاري إن الإنفاق على العلوم والتكنولوجيا والابتكار جسر دوله إلى اقتصاد المعرفة واستدامة التنمية.

منذ بزوغ حقبة النفط في الخليج العربي، وإلى وقتنا هذا، ودوله العربية الست ما برحت تستورد المنتجات التكنولوجية في العالم، حتى باتت تُعد من كبار المستوردين لها؛ ربما كان هذا لارتفاع مستوى الدخل والمعيشة من ناحية، لكنه من جهة أخرى يعكس غياب رؤية مستقبلية لدى المسؤولين تعمل على نقل التكنولوجيا وتطويرها بدلاً من استيرادها.

ومع بدء أفول تلك الحقبة، كان يجب إدراك التغيرات الاقتصادية التي تُواجه دول الخليج العربي، لا سيما في ظل تحرير التجارة وقوانين منظمة التجارة العالمية والعولمة التي فتحت الأسواق العالمية للسلع والخدمات على أساس تنافسي. ولضمان الحضور والاستمرارية في هذه الأسواق، ينبغي إيجاد ميزة تنافسية وتوطينها، ولن يتأتى هذا إلا بالإنفاق على البحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار، ومن ثم تسويق منتجات الأبحاث والتطوير.

وفي الآونة الأخيرة، أمكن رصد مساعٍ من قِبل دول الخليج العربية، ربما تشي برغبة في التحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة والصناعة المعرفية. يتجلى هذا في اهتمام بدعم مشروعات البحث العلمي والتكنولوجي، وتحفيز للإبداع والابتكار، واستثمار في حقوق الملكية الفكرية بما فيها براءات الاختراع، وبناء لقدرات الكوادر الوطنية، جنبًا إلى جنب استقطاب الكفايات والقدرات العلمية العالمية.[1]

الإنفاق ضرورة

لما كان النفط هو المصدر الأساسي للدخل القومي لدول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ يشكل نحو 47% من الناتج المحلي الإجمالي، لذا تواجه دول التعاون ضغوطًا هائلة نتيجة تراجع أسعار النفط. صار من الضرورة بمكان التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل القومي، لتفادي مخاطر الاعتماد على صادرات النفط، وللحفاظ على النمو والفوائض المالية في المستقبل البعيد.[2]

ولن يكون الاستثمار في البحث العلمي مؤثرًا إلا إذا خرجت نتائج الأبحاث إلى التطبيق، وذلك بتوافر الإرادة السياسية لتهيئة المناخ المناسب، وبناء القدرات البشرية وزيادة الإنفاق على البحث العلمي، كي يظهر مردوده على التنمية والتقدم المجتمعي.

وإذا أردنا ضرب المثال لذلك التحول، تبرز كوريا الجنوبية التي لم يكن إنفاقها في ستينيات القرن الماضي على البحث والتطوير يتجاوز 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين ارتفع عام 2014 إلى حوالي 4.3% ليعطي مؤشرًا قويًّا على العلاقة بين الإنفاق على البحث العلمي والتقدم الصناعي.[3]

أما نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الدخل القومي في دول الخليج العربي فلا تتعدى 1% في أفضل الأحوال، باستثناء قطر التي بلغ إنفاقها على البحث والتطوير حوالي 2.8% من الناتج المحلي منذ 2009.[4]
من هنا يتوجب القول بأن تحقيق تنمية مستدامة، ومعدل نمو منافس للمعدلات العالمية؛ وبالتالي تقليل الفجوة بين دول الخليج والدول المتقدمة تكنولوجيًّا، مرهون بزيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي لنسبة لا تقل عن 2٪ من الناتج الإجمالي.[5]

تنويع الممولين

كان العرض السابق يتناول حجم الإنفاق، بيد أن تدنيه والمقارنة مع غيره، يستران عورة أخرى تتمثل في أن  دول الخليج ما زالت تعتمد على الإنفاق الحكومي بدرجة كبيرة لتمويل البحث والتطوير، خلافًا للدول المتقدمة، حيث يقوم القطاع الخاص بمعظم عمليات البحث والتطوير، من خلال تمويل الأبحاث المرتبطة بتطوير الصناعة.

أما في بلدان الخليج، فلا يحدث الربط اللازم لبحث المشكلات التكنولوجية، وحلها محليًّا، نتيجة لانعدام الثقة بين البحث العلمي والقطاعات الصناعية، ما يزيد من الاعتماد على استقدام الخبراء الأجانب والتكنولوجيات الأجنبية.

وكذلك يُلحظ أن البحث العلمي في دول الخليج العربي لم يصل إلى درجة فاعلة في المجتمع، ويظهر ذلك جليًّا في نسبة الإنفاق على البحث العلمي.

من ثَم، نذكر أن مصادر الإنفاق وتمويل البحث العلمي تتنوع بين: الإنفاق الحكومي بتخصيص جزء من الدخل القومي، يتفاوت على حسب الموازنة السنوية، والشركات في القطاعات الإنتاجية والخدمية، ووحدات الأبحاث في شركات القطاع العام، إضافة إلى المنح والمساعدات الدولية.

لكن بالنسبة لدول الخليج العربي يندر الاعتماد على التمويل الأجنبي لدعم البحث العلمي، نظرًا للفوائض الضخمة في موازناتها السنوية؛ فهي لا تعاني أي مشكلة في التمويل، وإنما تكمن المشكلة في أوجه الصرف.

الركن الركين

حجر الأساس في البحث العلمي هو العنصر البشري. ودول التعاون الخليجي تعاني -كما هو الحال في جميع الدول العربية- نقصًا في الموارد البشرية العاملة في مجال البحث العلمي؛ فمعدل العلماء والباحثين ضعيف بالنسبة لعدد السكان، أقل من المعدلات العالمية التي قد تزيد في البلاد المتقدمة على 3600 باحث لكل مليون من السكان.[6]

 

وتعتمد دول التعاون بصورة كبيرة على وجود العمالة الوافدة من دول أجنبية تجاوزت نسبتها نسبة عدد السكان الأصليين في بعض الدول الخليجية (كالإمارات وقطر والبحرين والكويت)، وقاربت على الوصول لنصف عدد السكان في دول أخرى (كالسعودية). لذلك يجب أن تسعى دول الخليج للاستثمار في العنصر البشري إذا أرادت أن تتحول من دول مستهلكة للمعرفة إلى دول منتجة لها ومصدرة.[7]

كما أن أكثر الحاصلين على الدراسات العُليا (الماجستير  والدكتوراة) في مجالات العلوم والتكنولوجيا يلتحقون بالعمل في الجامعات، متباعدين بذلك عن المراكز البحثية العلمية، لسهولة العمل نسبيًّا وللوجاهة الاجتماعية، بأعباء تدريسية تطغى كثيرًا على النشاط البحثي.

والحق يقتضي الشهادة بما فعلته دول الخليج مؤخرًا من تأسيس مراكز للبحوث مستقلة عن الجامعات، وظيفتها الأساسية البحث العلمي والتطوير، لكن الأمانة تتوجب القول بأنها ليست كافية.

توفير المحاضن

تجرنا النقطة الأخيرة للحديث عن دراسة تناولت "الخريطة الصناعية لدول مجلس التعاون"، أجري فيها مسح ميداني للحصول على المعلومات المطلوبة حول مراكز البحوث والتطوير، أشارت نتائجه إلى زيادة كبيرة في عدد مراكز البحوث ظهرت في المدة 2005- 2011 مقارنةً بالعقود السابقة، إضافة إلى قلة القوى العاملة في مراكز البحث والتطوير في دول الخليج جميعها باستثناء قطر.[8]

وأفادت كذلك أن أكثر من نصف مراكز البحوث والتطوير التي شملها المسح لديها شريك صناعي واحد على الأقل، في حين أن 41% ليس لها تعاون أو شراكة مع مؤسسات صناعية، وتُعَدالسعودية الدولة الأولى خليجيًّا من حيث ربط البحث العلمي بالصناعة.

ومن الإيجابيات المرصودة أيضًا، أن مراكز البحوث والتطوير في دول الخليج العربي -وخصوصًا في السعودية وقطر- لديها شراكات دولية ممتازة وشراكات محلية مع الصناعة، وهي تتميز كذلك بتنوع الخبرات والقدرة على جذب الكوادر  العالمية، فضلًا عن القدرة المالية المتاحة للبحث والتطوير والصناعة.

وقد تركزت مجالات البحث التطبيقي في دول مجلس التعاون على مجالات البيئة بنسبة 19% والطاقة 16% وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات 13% والطب والصيدلة 11% والهندسة 9%، وهذا مؤشر جيد، فهذه المجالات مرتبطة على نحو كبير بالتنمية الاقتصادية وبالصناعات المعرفية.

 

رفع العوائق

وتوصلت الدراسة إلى أن هناك خمسة معوِّقات لتقدم البحث العلمي والتطوير للقطاع الصناعي في دول الخليج، وهي:

عدم وجود منهجية واضحة لتمويل البحوث، ضعف دور القطاع الخاص في هذا التمويل، غياب استراتيجية خليجية للبحث والتطوير، ضعف وعي المؤسسات الصناعية بأهمية البحث العلمي في تطوير أعمالها أو منتجاتها، إضافة إلى عدم وجود دليل لتصنيف مراكز البحوث الخليجية.

إذن المطلوب هو ضد ذلك وعكسه.

أو لتعظيم دور البحث العلمي قاطرةً للتنمية، يجب العمل على إزالة المعوقات، ودعم الباحثين، وخلق فرص التعاون بينهم، وذلك بتشجيع وتمويل بناء الشبكات العلمية، وتخصيص صندوق لتمويل البحوث المشتركة بين الباحثين في دول الخليج العربي، وتشجيع تبادل الأساتذة الزائرين بين الجامعات والمراكز البحثية.[9]

إن تشخيص واقع ومناخ البحث العلمي في دول الخليج العربي يوضح أن هناك مجموعتين رئيستين: الأولى تضم السعودية وقطر والإمارات، وهي المجموعة التي حققت تقدمًا ملحوظًا  في المؤشرات العالمية في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وبحلول عام 2020 يُتوقع أن تكون هذه المجموعة جاهزة لاقتصاد قائم على المعرفة.

أما المجموعة الأخرى فتضم الكويت والبحرين وعُمان، التي حصلت على مراتب متواضعة بالنسبة للمؤشرات العالمية، وتحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت لتحسين مناخ البحث العلمي.[10]

ختامًا، يجب أن نكون على يقين من أن رأس المال الذي يُنفَق على البحث والتطوير يُعَد استثمارًا استراتيجيًّا يحقق نموًّا وتنمية مستدامة، وخصوصًا إذا اعتمد على القدرات والخبرة الوطنية، وخير دليل على ذلك أن نسبة إسهام البحث العلمي والتطوير في نمو الناتج القومي تصل إلى 80٪ في الدول المتقدمة، وهذا يعني أن عوائدها أكبر بكثير من عوائد الاستثمار في العناصر الأخرى.[11]

** نادية الأنصاري: هي المسؤول عن مشروع أبحاث تكنولوجيا النانو، ومدير البرامج قصيرة الأجل، وبرنامج الحاضنة التكنولوجية في صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية المصري. نادية أيضا شريك في تأسيس أكاديمية الشباب المصرية للعلوم، وعضو بالمجلس الاستشاري لها.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع  SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

هذا المقال جزءًا من سلسلة مقالات حول مستقبل تمويل البحوث في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل بدعم من المركز الدولي لبحوث التنمية (IDRC). 

References

[1، 9] موزة بن حمد الربان تعزيز التعاون الخليجي في البحث العلمي والتطوير وربط نتائجه بالتنمية الاقتصادية (منظمة المجتمع العلمي العربي، 8 سبتمبر 2016)
[2] "جويك": أسعار النفط.. التداعيات والخيارات المتاحة (منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، 13 أبريل، 2016)
[3] البنك الدولي الإنفاق على البحث والتطوير (% من إجمالي الناتج المحلي)
[4، 11] قطر تنتقل إلى الاقتصاد المعرفي بحلول 2020 (الراية، 1 يوليو 2012)
[5] حمد عبد الله اللحيدان دعم البحث العلمي الموجّه ضرورة وليس ترفًا (الرياض، 2 يونيه 2006)
[6] منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة الموارد البشرية في البحث والتطوير (اليونسكو، نوفمبر2015)
[7] هدى التوابتي التركيبة السكانية بدول الخليج خطر يهدد مستقبلها سياسيًّا واجتماعيًّا (شؤون خليجية، 16 فبراير 2016)
[8، 10] منظمة الخليج للاستشارات الصناعية الخريطة الصناعية لدول مجلس التعاون (جويك، 2012)