Skip to content

24/11/16

س و ج.. حول الإنفاق على البحث العلمي بالجزائر وتمويله

Algerian science lab.jpg
حقوق الصورة:Andrew Testa / Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • أحوال البحث العلمي في الجزائر تتسم بالتردي قبل عام 2008
  • المنحنى العام للبحث العلمي آخذ في الصعود من بعد عام 2009
  • الإنفاق على البحث العلمي تضاعف، والمساعي المبذولة لترقيته موصولة

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

في الآونة الأخيرة، ثمة تقدم أحرزه قطاع البحث العلمي بالجزائر، بعد تأخر ومراوحة لردح من الزمن؛ بسبب الهزال الذي أصاب منظومته.

قبل عام 2008 كانت موازنة البحث العالمي هناك جِد متواضعة، إذ لم يخصص له سوى 0.28% من إجمالي الناتج المحلي، فاعترى القطاع السوء، وتجلى هذا على سبيل المثال في ضعف المنتج العلمي من قلة المنشورات العلمية وبراءات الاختراع المسجلة من قِبَل الباحثين، وكذلك ضعف التعاون والتشبيك بين الجهات البحثية من جامعات ومراكز أبحاث من جهة، والقطاعين الاقتصادي والاجتماعي في الدولة من أخرى.

ومع بدايات عام 2009، لاحت بشارات العافية، عندما وضعت الجزائر استراتيجية خاصة للارتقاء بمستوى البحث العلمي والنهوض به حتى عام 2017.

حول أهم الرهانات والإنجازات والاتجاهات الجديدة  في مجال البحث العلمي، حاورت شبكة SciDev.Net عبد الحفيظ أوراق، المدير العام للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي بالجزائر.
 
بدايةً نود لو أطلعتنا على أوضاع قطاع البحث العلمي في الجزائر، قبل عام 2008.
كان البحث العلمي غائبًا عن واقع الاقتصاد والمجتمع الجزائري حتى عام 1998؛ إذ تم إصدار أول قانون للبحث العلمي، وأعطيت له أولوية إنشاء الصندوق الوطني لتمويل القطاع، وخلال البرنامج الخماسي الأول الممتد من 1998 حتى 2002، كانت المهمة منصبّة على تجسيد مفهوم البحث العلمي ميدانيًّا وخلق المؤسسات التي تسيّره، بإنشاء المختبرات وتمويل البحوث وتكليف الباحثين.

هل يعني هذا أن تدني الإنفاق على البحث العلمي هو السبب في تردي أحواله؟  
بالطبع كان التمويل معوقًا كبيرًا، وحال كثيرًا دون إحراز التقدم في مجالاته، إلا أن هيكلية البحث العلمي، لم تكن جيدة، أو بعبارة أخرى لم تسمح بنيته التحتية بإنتاج المعرفة وتطوير التكنولوجيا، فمررنا بعد ذلك بمرحلة ضعف واضح حتى عام 2008.

بعد هذا تم إصدار القانون الثاني الخماسي للبحث العلمي الممتد من 2008 وحتى 2012، وهي المرحلة التي شهدت إنشاء المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في 2009، وتركزت مهامها حول ضمان ترقية البحث العلمي بتدعيم القواعد العلمية والتكنولوجية للبلاد، وتحديد الوسائل الضرورية للبحث والتطوير وتوفيرها، والعمل على تثمين نتائج هذا البحث، ودعم تمويل الدولة لكل الأنشطة المتعلقة بالبحث والتطوير.

وكل هذا يطلب الشيء الكثير للإنفاق على القطاع، وقد وصل الآن إلى 0.5% من إجمالي الناتج المحلي.  

 

 

إذًا ما الذي جد بعد الإنفاق، وكذلك بعد الاستراتيجية الموضوعة للنهوض بمستوى البحث العلمي؟
كانت من أولويات المديرية هيكلة قطاع البحث العلمي، وتقديم نظام وطني متكامل للبحث، وزيادة عدد الباحثين والأكاديميين، والرفع من مستوى التجهيزات العلمية والمنشآت، ويمكن القول الآن إن النتائج المتوصل إليها جِد مرضية.

لقد انتقلنا من 600 مخبر بحث في عام 2008 إلى 1400 مخبر في 2016 داخل الجامعات، وكل الجامعات الجزائرية الآن أصبحت مهيكلة بمختبرات بحث في كل المجالات والتخصصات، ومجهزة بأدوات بحث بمواصفات عالمية، وهو ما زاد من عدد الباحثين في كل التخصصات، أيضًا انتقلنا من 1200 أستاذ باحث إلى 30 ألف أستاذ داخل الجامعات، بالإضافة إلى 60 ألف طالب دكتوراة.

أما خارج الجامعات، فهناك 30 مركز بحث على المستوى الوطني يشارك فيها 2500 باحث دائم، وهي مراكز تهتم بالبحث التطبيقي والتطوير التكنولوجي بشكل خاص.

بدأت الانعكاسات الإيجابية أيضًا على المنشورات العلمية، إذ انتقلنا من 12 ألف بحث منشور في المجلات العلمية رفيعة المستوى في عام 2008 إلى 45 ألف بحث في عام 2015، فمعدل نمو المنشورات العلمية في الجزائر، يُعَد من أعلى المعدلات على المستوى الدولي، وفي هذا المجال صُنفت الجزائر في مراتب متقدمة في القارة الأفريقية، بل إنها تستأثر بالمرتبة الأولى في بعض التخصصات؛ مثل الفيزياء، والكيمياء، والهندسة والرياضيات.

كل هذه التطورات بالإضافة إلى توجيه تمويل خاص لإنشاء هيئات علمية متخصصة وشراكات دولية، كان آخرها افتتاح المعهد الدولي للبحث والتنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة في نهايات 2015، أعطى دفعة قوية لعجلة البحث العلمي.

لكن الهوة بين البحث العلمي والقطاعين الاجتماعي والاقتصادي ما زالت قائمة، فهل من خطة لردمها؟
كانت هذه إحدى نقاط الضعف في البحث العلمي بالجزائر، ونحن نسعى لمعالجتها من خلال تجسيد الفكرة العلمية لتصبح منتَجًا أو خدمة، وهو المفهوم الجديد الذي نسعى لتحقيقه في الميدان من خلال القانون التوجيهي للبحث العلمي.

لقد بدأنا في العمل على مواءمة الأهداف العلمية مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التنموية، وتجنيد الأسرة العلمية وهيكلتها في إطار كيانات البحث التي أقرها القانون، إضافة إلى تحسين جهاز التمويل وفق هذا الهدف، ولذلك جاء القانون التوجيهي للبحث العلمي وقانون الأستاذ الباحث من أجل تحقيق هذه الغاية.

 

 

مرة أخرى تكلمت عن التمويل وأشياء أخرى، فما الذي تم في ذلك الإطار؟
مثلًا عقدنا العديد من الشراكات مع مؤسسات اقتصادية عامة وخاصة، ويمكن للباحثين من خلالها تطبيق بحوثهم النظرية من خلال مشروعات تكنولوجية لتطوير الصناعة في الجزائر.

ونعمل أيضًا على تنظيم وخلق مناخ البحث داخل المؤسسة الاقتصادية، وإنشاء فرق بحث مختلطة بين مختبرات البحث العلمي والمؤسسات الاقتصادية الصناعية، وهناك تحفيزات مالية وإعفاءات ضريبية، تقتطع من موازنة البحث العلمي الوطنية، وتوجه للمؤسسات الراغبة في الاستثمار في مجال البحث العلمي.

إن كل الآليات التي جسدناها في الميدان تصب في هذا المسعى، وبدأت فعلًا العديد من الشركات في إنشاء مختبرات بحث بالتعاون مع باحثين داخل الجامعات ومراكز البحث مثل شركة سوناطراك، إحدى أهم شركات البترول في البلاد، كما أن العديد من مختبرات البحث بدأت بفتح فروع تجارية لتسويق منتجاتها البحثية وعرض خدماتها على القطاع الاقتصادي، وأصبحت تعتمد على عائد تلك المنتجات في تمويل ذاتها.

يجرنا هذا للحديث عن تحسين أحوال الباحثين في الداخل، وما الذي اتخذته الدولة من خطوات لإغراء الطيور المهاجرة بالعودة؟
أقول إن الثقة عادت للباحث الجزائري، وعدد المؤسسات الاقتصادية التي تلجأ إلى مختبرات البحث الجزائرية بحثًا عن حلول لمشكلاتها أو ابتكارات تزيد من فاعلية إنتاجها في تصاعد، وقد أثبت الباحثون الجزائريون كفاءة يُعوَّل عليها في تنمية البلاد باستخدام المعرفة.

صحيح أن عدد الباحثين العائدين إلى الجزائر ضعيف جدًّا، وهم يعملون في العديد من المراكز ومختبرات البحث الجزائرية، لكن ترسخت لدينا قناعة بأن بناء منظومة بحثية قوية لن يتأتى إلا بتطوير القدرات البشرية العاملة في الجزائر، وتوفير المناخ المحفز لها للإبداع والابتكار، وهي وحدها القوة الضاربة لترقية البحث العلمي الجزائري.

وثمة مؤشرات تؤكد أن هناك استقرارًا في الكادر البشري بالجامعات ومراكز البحث، وهذا راجع إلى  تحسين المستوى المعيشي للأساتذة الباحثين.

 

 

ولا تزال الحكومة الجزائرية  تحاول بناء سياسات تكفل استعادة الأدمغة المهاجرة ذات المستوى العالي، من خلال ربطها بمراكز البحث والمؤسسات الاقتصادية في البلاد، للاستفادة منها في نقل التكنولوجيا والمعرفة، وتوفير الظروف الاجتماعية المهنية بما لا يقل عن المستوى الذي يعملون به في الخارج.

 كما أطلقت المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في عام 2012 برنامجًا من أجل تشجيع الباحثين الشباب وإدماجهم في المؤسسات الجامعية الأجنبية، وعملت المديرية على استحداث ’جائزة رئيس الجمهورية‘ في اختصاصات علمية دقيقة بهدف كسب هذه الأدمغة، وتنفيذ مشروعاتهم العلمية على أرض الوطن.
  
 
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هذا الحوار جزءًا من سلسلة مقالات حول مستقبل تمويل البحوث في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل بدعم من المركز الدولي لبحوث التنمية (IDRC).