Skip to content

16/11/15

اعشوشبت أراضيهم بالبوط فأنتجوا منه طاقة خضراء

Typha
حقوق الصورة:Higher Institute of Technological Studies in Rosso

نقاط للقراءة السريعة

  • سد على نهر السنغال يوفر بيئة خصبة لنمو عشبة انتشرت بشدة على ضفته الموريتانية
  • جهات ثلاث تتعاون في تشغيل الأهالي لتحويل عشبة البرك إلى فحم اقتصادي يناسبهم
  • المشروع يستوفي شروط جائزة دولية رفيعة المستوى معاييرها شديدة الصرامة ويفوز بها

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

[نواكشوط] قبل عام 1988 لم يكن أحد يحفل لنبتة البوط (التيفا) النامية في حوض نهر السنغال، فلا ضرر منها ولا نفع.

بعد ذلك التاريخ، لما تم تشييد سد دياما قبل 22 كيلومترًا من مصب النهر في المحيط، الذي صُمم كي لا تطغى مياه الأطلسي المالحة، تكاثرت النبتة سريعًا، حتى تغوَّلت.

حاليًّا ينتشر البوط (عشبة البرك) على امتداد 130 كيلومترا، وغزا مساحة قُدرت بنحو 25 ألف هكتار على الجانب الموريتاني من النهر، ومثلها تقريبًا على السنغالي منه؛ فالنهر حد طبيعي بين البلدين.

ضيق هذا الانتشار على الناس معايشهم، حيث سد قنوات الري، واعترضت النبتة السبيل إلى النهر أمام مربي الماشية وصيادي السمك، وعاثت فسادًا في بيئة هشة بطبيعتها، رغم أهميتها؛ إذ تمثل محضنًا لتكاثر العديد من أنواع الطيور المهاجرة من آسيا وأوروبا.
 

حار الأهالي في بلدة روصو على الضفة الموريتانية من التكاثر القوي لتلك النبتة، وبعضهم لم يكن يدري من أين أتت.

لكن النبتة ”ليست وافدة كما يظن البعض، وإنما وفر السد البيئة المثلى للتكاثر“. هكذا يوضح لشبكة SciDev.Net زين العابدين ولد سيدات، محافظ ’الحظيرة الوطنية لجاولينج‘ في موريتانيا، وهي محمية طبيعية، والجهة المنوط بها حماية النظام البيئي عند مصب النهر على الجانب الموريتاني.

شاهد بالصور مراحل إنتاج فحم التيفا

على أية حال، وصل الأمر إلى أن ”هجر بعضَ القرى سكانُها تماما“، على حد وصف ببانة ولد محمد الأمين، الباحث في المعهد العالي للتعليم التكنولوجي.

بعيدًا عن النبتة، ثمة مسح قامت به منظمة فرنسية، غير حكومية، تُدعى GRET، تعمل في مجال التنمية، ومحاربة الفقر وعدم المساواة، كشف عن استخدام نحو 90% من ربات البيوت في موريتانيا للفحم في أغراض الطهو.

توفير هذا الفحم يستلزم قطعًا جائرًا لأشجار الغابات. ودراسة أخرى للجهة ذاتها قدرت احتياجات مدينتي روصو، ونواكشوط العاصمة من الفحم بنحو 40 ألف طن سنويا.

عام 2006 لمعت في ذهن الباحث ببانة فكرة تحويل النبتة الوفيرة إلى فحم، وما فتئت تراوده، حتى افتتح عام 2010 المعهد في مدينة روصو، والذي التحق به ببانة فور افتتاحه.
 

بعد ذلك بعام واحد تعاونت المحمية والمنظمة، وهيأوا الظروف لفريق بحثي ترأسه ببانة، من أجل تحويل النبتة إلى فحم في مختبرات المعهد، ودشنوا مشروعًا يختبر جدوى الفكرة ومدى استدامتها.

كانت تقديرات ببانة أنه يمكن توفير 150 طنا سنويًّا من الفحم ”منطلقة من الدراسات السابقة مع مسح أجراه وفريقه على مستعمرات البوط في الجوار“، وهو ما يزيد على حاجة السوق الموريتاني كله.

يقول ببانة: ”أنشأنا ثماني وحدات إنتاج صناعية نموذجية في روصو، بطاقة إنتاجية تصل إلى طن يوميًّا“.

يوضح ببانة المراحل التي تمر بها النبتة لتصير فحمًا، قائلاً: ”بعد الحش، يجري فرمها في مفارم ضخمة، ثم تُعرَّض لمجفف قوي يخفض رطوبتها البالغة 70% إلى (12% و8%)، ثم تكبس إلى قوالب، وتنقل بعدها إلى فرن تفحيم درجة حرارته الدنيا 300 مئوية، والقصوى 500“.

هذا الفحم صديق للبيئة، يعلل هذا ببانة بقوله: ”عملية الحرق التي تستمر 12 ساعة أحيانًا، لم تستغرق سوى 3 ساعات، لأن الفرن مصمم للاستفادة من غازات النبتة، والتي من ضمنها البيوتان، فتحرق نفسها بنفسها، وهكذا نحصل على فحم استهلك كل ما فيه من انبعاثات“.

بالنسبة للأهالي، ومنهم مارية، إحدى عجائز روصو، تقول للشبكة: ”كنا نعتقد أنها نبتة شيطانية لا تصلح لشيء“، ولكن سرعان ما تحولت من نقمة إلى نعمة.

مارية أخرى، تعمل حاليا في إحدى وحدات إنتاج الفحم، تقول لشبكة SciDev.Net: ”أوجد المشروع فرص عمل للجنسين، فالرجال يقطعون النبتة، بينما تتولى النساء تحويلها إلى فحم وتسويقها“.

وتضيف مارية: ”أصبحت النبتة مصدرًا مدرًّا للدخل، بالإضافة إلى أن الفحم الناتج عنها نقي لا دخان له، وناره ساكنة لا تهدد بحرائق، وأرخص من الفحم الخشبي“.

الآن وبعد 4 سنوات من العمل، نتائج المشروع تقول إنه تغلب على ثلاثة تحديات.

من الناحية البيئية، 7 أطنان من الأشجار وقاها القطع طن فحم واحد فقط منتج من البوط. بالنسبة لانبعاثات غازات الدفيئة، فإن العشبة تنمو بسرعة شديدة، وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه احتراق فحم البوط يستهلكه نمو النبات، في حين تحتاج الشجرة 10 سنوات لتحتجز ما يطلقه فحمها عند احتراقه.

فنِّيًّا، تحول الأهالي إلى فاعلين، وحلوا مشاكلهم بأنفسهم بما يناسب مواريثهم وثقافاتهم، وإلى جانب النمط الصناعي الذي تمثله الوحدة المقامة في المعهد، يجري تزويد تعاونيات نسوية، أو منشآت صناعية صغرى بوحدات إنتاجية، ما يمثل النمط القروي التقليدي في الإنتاج.

أما الناحية الاقتصادية، ففي ضوئها، يتجلى أن تحويل البوط إلى فحم خلق أنشطة اقتصادية قروية، وعزز من استقلالية المرأة، فثمة 500 امرأة عاملة الآن في مشروعاته بثماني قرى. وإذا كانت الوحدة الإنتاجية في روصو لا تحتاج الآن إلى أكثر من 5 عمال، فإن إقامة خطوط إنتاج أخرى في المستقبل يعني عشرات الوظائف لأرباب الأسر.

هذه النواحي الثلاث أهلت المشروع للحصول على جائزة كونفرجينسيز الدولية لعام 2015، وذلك في أثناء حفل توزيع الجوائز الرسمي في منتداها الدولي في 9 سبتمبر الماضي بفرنسا، وهي جائزة تُمنح لأفضل المشروعات الابتكارية ذات الأثر الاجتماعي أو البيئي القوي.

الجائزة رفيعة المستوى، التي ينظمها المجلس الاقتصادي الاجتماعي البيئي الفرنسي، لم ينافس على المستوى الدولي فيها سوى مرشحين فقط، أحدهما سويسري والآخر برازيلي، لكن لم يفز بها ويحصدها إلا الموريتاني.
 
 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا