Skip to content

27/01/16

لغة تعليم الطب.. سجال لا ينتهي وحسم لا يلوح

Faculty of Medicine in yemen
حقوق الصورة:Flickr/ World Bank Photo Collection

نقاط للقراءة السريعة

  • استمرار الجدل بين الداعين إلى تدريس الطب بالعربية والرافضين له
  • البعض يراه مؤهلًا للتواصل مع المرضى، وآخرون يرونه قاطعًا لحبل الاستمرار في التعلم
  • فريق ثالث يعول على المنهج، لا اللغة، ورابع يقول: ربما لاحقًا

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يعرض حازم بدر اختلاف الآراء بين أهمية التعريب أو التدريس بالأجنبية، وتأثير ذلك في المستوى التعليمي والتواصل
 
لا تلوح نهاية للجدل المثار حول تدريس العلوم الطبية باللغة العربية، الذي يتجدد بين الحين والآخر، ويتراوح بين القبول والرفض، وربما الإرجاء، ويتنازعه التعريب والترجمة، سواء أكان هذا بمناسبة أم من دونها.

تلك المسألة التي تثار منذ عام 1923، مع افتتاح أول كلية لتدريس الطب باللغة العربية في سوريا، ورغم الانطباعات الإيجابية عن خريجي الكلية، من حيث المستوى التعليمي، إلا أن كل السنوات التي مرت لم تكن كافية للكف عن الجدل، الذي أثارته مجددًا آراء متباينة حول تخريج أول دفعة في كلية الطب بجامعة نواكشوط في موريتانيا خلال شهر أغسطس الماضي، والتي اعتمدت الدراسة باللغة العربية.

اللغة قضية هامشية من وجهة نظر البعض، والأهم هو جودة منهج التعليم. من هؤلاء سيد أحمد ولد مكية، عميد كلية الطب في جامعة نواكشوط بموريتانيا، الذي يثني على المنهج العلمي، ويقول إنه ”مستمد من نظام الكليات الطبية الدارسة بالفرنسية، لكنه يدرس بالعربية“.

الميزة الوحيدة في التعليم الطبي بمصر أنه باللغة الإنجليزية، وهو ما يساعد الطبيب على استكمال دراسته بالخارج“  

خالد توفيق -الطبيب المصري في لندن 

 

لكن حبيب الله ولد أحمد -الكاتب الصحفي، والمتابع للشؤون العلمية في موريتانيا- يرى أن القدرة على الاستمرار ومواكبة التطورات والبحوث العلمية المتلاحقة يظل هو التحدي الأكبر لهذه الكلية الناشئة، بسبب التدريس باللغة العربية.

هذا التحدي الذي أشار إليه ولد أحمد، هو الذي دفع خالد توفيق -الطبيب المصري في لندن- إلى القول رغم ملحوظاته
الكثيرة على مناهج التعليم الطبي في مصر: ”الميزة الوحيدة في التعليم الطبي بمصر أنه باللغة الإنجليزية، وهو ما يساعد الطبيب على استكمال دراسته بالخارج“.

جدل الفرقاء

خرج توفيق من مصر بعد تخرجه في كلية الطب جامعة القاهرة بتقدير ’ممتاز‘، ليجد نفسه أمام نظام تعليم طبي يختلف كثيرًا عن النظام المصري، لكنه استطاع أن يتكيف سريعًا معه بسبب اللغة.

يقول توفيق لشبكة SciDev.Net: ”تحدثوا عن أي شيء حول التعليم الطبي في مصر، وأمراضه الكثيرة، إلا التطرق إلى تغيير لغة تدريسه“.

البعض الآخر يرى في تعليم الطب باللغة العربية مزايا، ويبدي حماسة لتدريس العلوم الطبية بها، ومنهم عميد كلية الطب بجامعة الإمام محمد بن سعود في المملكة العربية السعودية، والذي كانت له دراسة في الشأن ذاته.

”في سوريا حلت المشكلة بتدريس مادة خاصة بالمصطلحات الطبية باللغة الإنجليزية“

جواد أبو حطب، مسؤول الملف الصحي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية

 

يُبرز عبد الغفار من تلك المزايا: تحقيق التواصل الناجح بين طالب الطب وأستاذه في أثناء الدراسة، ثم بعد التخرج القدرة على التواصل بشكل أفضل مع المرضى.

الطبيب جواد أبو حطب، مسؤول الملف الصحي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يشير إلى أن التجربة السورية قدمت حلا للتحدي الخاص بالقدرة على الاستمرار ومواكبة التطورات والبحوث العلمية.

يقول جواد لشبكة SciDev.Net: ”في سوريا حلت المشكلة بتدريس مادة خاصة بالمصطلحات الطبية باللغة الإنجليزية“.

ويضيف جواد: ”عندما سافرت إلى بريطانيا للدراسات العليا، ساعدتني هذه المادة على التواصل ومواصلة التعليم هناك“.

وعن أهمية وجود لغة مشتركة للتواصل بين الطبيب والمرضى، يذكر جواد تجربة عملية، حيث كان يشاهد المرضى العرب في المستشفيات البريطانية يستعينون بمترجم للتواصل مع الطبيب العربي، وهذا دليل على افتقاد الطبيب للغته الأم بعد أن يتعود على الدراسة بالإنجليزية.

ولفت جواد أيضًا إلى أنهم يعايشون هذه المشكلة خلال إقامتهم الحالية في تركيا، حيث يعاني السوريون في التواصل مع الطبيب التركي.

يتعجب جواد من الانشغال بهذه الجدلية، بينما دول مثل إيطاليا ورومانيا، انتصرت للغتها الوطنية، الأقل انتشارًا من العربية، ودرست العلوم بها.

ويرى جواد أنه ”بدلا من الانشغال بهذه الجدلية، علينا الاهتمام بتطوير التعليم الطبي، لا سيما في جانب الممارسة، والذي تفتقده كليات الطب في العالم العربي“.

اتفاق غير وارد

لا تبدي سلوى الفقير -أخصائية السكري والغدد الصماء في المغرب- حماسًا لأي اتجاه؛ ”فللتدريس باللغة العريية ميزة وعيب، والأمر نفسه بالنسبة للتدريس باللغات الأجنبية“.

ليست اللغة هي القضية الحيوية، ولكن الأهم هو منهج التعليم ذاته“

منير منصور -مدير مكتب القاهرة بالمجلس العربي للاختصاصات الصحية


 

تقول سلوى -التي درست الطب باللغة الفرنسية-: ”الميزة أن التعلم بالفرنسية يمكِّن الطبيب بسهولة من إكمال دراساته العليا بالديار الفرنسية، والعيب أنه يحرمه التواصل مع فئات المجتمع المختلفة بشكل جيد“.

في المغرب أكثر من عشر لهجات، تختلف باختلاف المكان، والطبيب الجيد هو الذي يستطيع التعامل مع الكل، ”وهذا يتطلب جهدًا من الطبيب يبذله بنفسه، ولا يتدرب عليه في دراسته الجامعية“، وفق سلوى.

تؤكد سلوى لشبكة SciDev.Net: ”أنا شخصيا أستطيع التعامل مع كل اللهجات، لأني أنظم قوافل طبية في كل أنحاء المغرب، وألقي عليهم محاضرات في التوعية الصحية، أتحدث فيها بلهجة أهل المنطقة“.

ولا يفوت سلوى تأكيد أن المتابعة الدائمة للأبحاث الجديدة في عالم الطب، يتطلب من الطبيب بذل المزيد من الجهد في إتقان اللغة الإنجليزية.

وتعترف سلوى بأنها ليست متمكنة من اللغة الإنجليزية، لذا تعتمد كثيرًا على مكاتب الترجمة، لمتابعة الأبحاث الجديدة في مجال تخصصها.

بل يذهب سعيد شلبي -أستاذ الباطنة والكبد في المركز القومي للبحوث بمصر، ونائب رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا- إلى وصف المطالبات بتغيير لغة التعليم الطبي إلى العربية بأنها ”ضربة قاضية له“، ويتساءل: ”كيف يستطيع الطبيب تطوير نفسه والاطلاع على أحدث الأبحاث، بينما هو تعود على دراسة الطب بالعربية؟“.

وأضاف شلبي لشبكة SciDev.Net: ”التحجج بفكرة أن اللغة العربية تتيح تواصلًا أفضل بين الأستاذ والطالب، مردود عليها بأن افتقاد لغة التواصل لا يستمر طويلًا؛ إذ يكفي الطالب شهران على الأكثر منذ بداية التحاقه بالكلية، حتى يتعود على اللغة الإنجليزية، وتصبح بالنسبة له هي والعربية سواء“.

أما مسألة التواصل بين الطبيب ومرضاه، كمبرر للتدريس بالعربية، فيراها شلبي ”مهارة يكتسبها الطالب مع الوقت من مشاهدة حالات كثيرة خلال فترة الدراسة، ولا علاقة لها بلغة تدريس الطب“.

يتفق مع هذا الرأي منير منصور -مدير مكتب القاهرة بالمجلس العربي للاختصاصات الصحية- واصفًا الجدل الذي يُثار من حين لآخر حول تعريب العلوم الطبية، بأنه ”جدل عقيم“.

ولم يُبد منصور ميلًا لأي اتجاه في تعليم الطب، وقال لشبكة SciDev.Net: ”ليست اللغة هي القضية الحيوية، ولكن الأهم هو منهج التعليم ذاته“.

وأضاف: ”افتقار الطبيب إلى القدرة على تحقيق تواصل أفضل مع المريض، سببه ضعف الممارسة في منهج التعليم، لا في لغة التعليم الطبي“.

واستشهد منصور بأن مخرجات التعليم الطبي في سوريا، كانت مقبولة إلى حد كبير، رغم لغته العربية؛ لأنه كان يوفر ممارسة جيدة إلى حد ما.

ورغم عدم اعتراضه على التعليم الطبي باللغة العربية، فإن محمد عز العرب -الرئيس السابق للمعهد القومي للكبد في مصر- لا يقره في الوقت الحالي، ويقول لشبكةSciDev.Net : ”يمكننا إقراره عندما يكون لدينا بحث علمي طبي جيد باللغة العربية، ليكون العالم مجبرًا على تعلم لغتنا لمتابعة ما ننتجه“.

 فهل يمكن أن يحدث ذلك؟ يجيب عز العرب: ”أظن أن أمامنا وقتًا طويلًا حتى يحدث ذلك“.

 
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا