Skip to content

22/10/13

حول العالم العربي.. التعليم جوهر التحدي التنموي

Education
حقوق الصورة:Flicker/ STARS Foundation

نقاط للقراءة السريعة

  • ثالوث الفقر والمرض والجهل يعوق التنمية في العالم العربي
  • الكبار بحاجة لتعليم يمنحهم القدرة على رؤية ذواتهم وواقعهم، وقراءتهما قراءة ناقدة
  • والتعليم العام مشكلته الأساسيةهي طريقته التقليدية التي تعتمد التلقين فالتذكر

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

أمام التنمية عقبات كؤود، منها الفقر والمرض. والجهل أشد عقبة تعترض العرب. مجدي سعيد يعرض نماذج ومداخل لاقتحامها.

"قضيت يوما مع أناس من قاع المجتمع، فاكتشفت أننا نتكلم لغة لا يفهمها هؤلاء. نتكلم عن الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والدستور والقانون. وهؤلاء أمامهم سنوات ليعوا معنى هذا الكلام. هناك فئة تستفيد من الوضع الراهن لهؤلاء، ومصلحتها أن يظل قطاعا كبيرا من الشعب يعيش في جهل وفقر ومرض".

هكذا لخص أحد الأصدقاء على الفيسبوك، العقبات التي تحول دون تحرر الناس في قاع المجتمع، وتجعل منهم أداة طيعة في أيدي الحكام. إذا أردنا أن يخرج المجتمع من مستنقع الاستبداد السياسي والاجتماعي، فلا بد أن نتحلى بروح التحدي، لاقتحام تلك العقبات من خلال نضال تنموي، يخرج الناس من ثالوث الجهل، والفقر، والمرض.

نعرض لأهم هذه العقبات على الإطلاق، ألا وهي "الجهل"، وكيف يمكن للعالم العربي مواجهته.

في الشهر الجاري، أصدر معهد اليونسكو للإحصاءات تقريرا دوليا، تناول جانبا لمشكلة التعليم في بلادنا، بعنوان "معلم لكل طفل.. الاحتياجات العالمية المتوقعة للمعلمين من 2015 إلى 2030".

حسب التقرير، احتلت بلدان العالم العربي المرتبة الثانية عالميا من حيث حجم الفجوة في نقص معلمي المرحلة الابتدائية، ما يستوجب تلبية الاحتياجات الناشئة في المدة من 2011 إلى 2030، التي تقتضيها الزيادة المتوقعة في أعداد التلاميذ خلال هذه المدة، وتقدر بنحو 9.5 ملايين تلميذ. [1]

ويعني هذا ضرورة إيجاد نصف مليون وظيفة جديدة، وشغل 1.4 مليون وظيفة شاغرة، حتى تحقق أهداف الأمم المتحدة في "تعميم التعليم الابتدائي" بحلول عام 2030. والتقرير يتوقع استقرار تلك الفجوة عام 2020، إن استمرت الزيادة المشهودة في أعداد المعلمين خلال العقد الماضي بنفس الوتيرة.

ولا ريب أن عدد معلمي المرحلة الابتدائية ليس مشكلة التعليم الوحيدة في بلادنا، والحكومات لن تستطيع تجاوز عقبة "الجهل" وحدها، لا سيما وأكثرها غارق في الفساد والاستبداد، ما يستلزم المشاركة الأهلية في الحل. وهناك نماذج تقدم حلولا جديرة بالاحتذاء.

حلول أهلية لمحو الجهل

من 'مدارس الشعب الليلية' بمصر في بداية القرن العشرين، لدينا نموذج يهتم بتعليم الكبار، ولا يقف عند "فك الخط" ومعرفة الحروف والأرقام، وإنما يتعدى هذا إلى تعليم يحرر العقول ويطلق الطاقات، ويعلم الناس القدرة على رؤية ذواتهم وواقعهم، وقراءتهما قراءة عاقلة ناقدة.

يرشدنا هذا النمط من التعليم إلى أن هؤلاء الكبار ليسوا أوعية فارغة لنملأها، بل لديهم من المعارف والخبرات ما هم بحاجة إلى إعادة اكتشافه وتقديره، وإعطائه أبعادا جديدة.

من هذا المنظور يمكننا أن نرمق تجربة 'كلية الحفاة' بالهند، وهي منظمة غير حكومية، تأسست عام 1972؛ تقدم خدمات وحلولا للمشكلات الأساسية التي تواجه المجتمعات الريفية.

مستقية من فلسفة المهاتما غاندي، انطلقت 'كلية الحفاة' وفق مبادئ أساسية هي:

·       المعرفة والمهارات والحكمة الموجودة في القرى يجب أن تستخدم لتنميتها، قبل البحث عن مهارات من خارجها.

·       التكنولوجيا المعقدة لا بد من استخدامها في تنمية الريف، لكن من خلال تمكين فقراء الريف من التحكم في هذه التكنولوجيا؛ حتى لا يكونوا عالة على غيرهم.

·       هناك فرق بين محو الأمية والتعليم؛ فالأولى قد تتم في فصول المدارس، أما التعليم فيتأتى من الأسرة والتقاليد والثقافة والبيئة والخبرات الشخصية.

·       للنساء حق مساو في التعليم والتدريب والعمل.

من هذه المنطلقات انبرت تجربة التعليم غير النمطي، لتحرر طاقات المجتمع في مجالات الطاقة الشمسية، والمياه، وتطوير الحرف، وسائر مجالات الحياة ومناشطها، وصارت الكلية نموذجا يُحتذى في أماكن أخرى من الهند.

طريقة التعليم سبيل أخرى

ومن تعليم الكبار إلى التعليم العام، يظل المراد دوما هو إطلاق طاقات العقول وتحريرها. لا تقف مشكلاتنا في التعليم عند أعداد المعلمين، ولا عند إعداد المناهج للأطفال أو الكبار، بل هي بالأساس مشكلة "طريقة التعليم".

ففي عام 1998، ابتكر ما يعرف باسم "المدخل المنظومي في التدريس والتعلم" كل من الدكتور فاروق فهمي، أستاذ الكيمياء بكلية العلوم في جامعة عين شمس، والدكتور جو لاجوسكي، الأستاذ بجامعة تكساس.

يُعنى هذا المدخل بتنظيم الخبرات التعليمية التي تترابط مع بعضها في علاقات شبكية تبادلية، تعمل معا ككل، نحو تحقيق أهداف معينة، وتتضح فيها كافة العلاقات بين المفاهيم والموضوعات، ما يؤدي إلى تكوين بنى معرفية سليمة ومترابطة.

أما الطريقة التقليدية التي تقدم الخبرات منعزلة عن بعضها البعض، وبطريقة خطية تسهم في بناء بنية معرفية غير مترابطة، فتعتمد التلقين والتذكر، وهو أدنى المستويات التعليمية.

وجرى تطبيق ذاك المدخل في كافة مراحل التعليم، وفي تعليم الكبار أيضا، وتدرب على تقديمه نحو 60 ألف معلم في أنحاء شتى من العالم، وتم تسجيل عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه لدراسته وتقييمه.

كل ما سبق يؤكد أهمية التطوير المستمر للتعليم، ليصبح تعليما يعتق الإنسان، ويحرر عقله، ويعلمه الحرية والأمل؛ تعليما يعيد صياغة عقل الناس ووجدانهم، ويساعدهم على تخطي العقبات التي تعوق عيشهم عيشا كريما، وتجعلهم يستطيعون مواجهة التحديات، بل وتحويلها إلى فرص لكسر كل الأطواق التي تسترقُّهم.

هلا اقتحمنا العقبة، وأعتقنا رقاب الناس في مجتمعاتنا من رق الجهل وإساره، بتنمية التعليم، وتعليم التنمية التي تتحدى بهم العقبات والظروف!

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط 

رئيس تحرير الطبعة العربية من مجلة Nature

 

References