Skip to content

18/05/15

إدارة الشائعات والمعلومات المضللة بغرب أفريقيا

Ebola feature misinformation.jpg
حقوق الصورة:Sven Torfinn / Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • سرت شائعات حول الإيبولا أذكتاها المعلومات المضللة والاندفاع لعزل المرضى
  • حتى المتعلمين على نحو جيد روعهم التهديد الذي بدا كارثيًّا
  • فصار من الضروري لاحتواء الفيروس التصدي للمخاوف بشفافية وعلى نحو مباشر

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

يكشف حمزة فساسي أن الشائعات حول إيبولا ولدت تحديات اجتماعية وإن كانت حقيقية، إلا أن قهرها ممكن.

في أبريل 2014، بينما كان وباء الإيبولا يعصف بالعاصمة الغينية كوناكري، بدأت شائعة قوية في الانتشار بين سكان الضواحي، مفادها أن البصل والقهوة يحصنان من المرض. وما هي إلا ساعات، حتى بيع البصل ونفد بالكامل من أكشاك سوق المدينة الرئيسة.

بالطبع، كانت الشائعة كاذبة. يقول ساكوبا كيتا –المنسق الوطني لفريق الاستجابة بوزارة الصحة الغينية-: ”لو كان يمكن علاج إيبولا بالبصل، لما عبر الفيروس حدودنا، نظرًا لمكانة البصل في المطبخ الغيني، وكميته التي يستهلكها الغينيون كل يوم“.

وبرغم الجهود العاجلة التي تبذلها السلطات الصحية لدحض الشائعة على وسائل الإعلام الاجتماعية وعبر الإذاعة، فقد سرت بسرعة لتصبح مثالاً من أمثلة عديدة على معلومات مضللة جعلت من مساعدة فرق الاستجابة للناس على وقف انتشار إيبولا أمرًا شاقًّا.

وتأخذ المعلومات الكاذبة أشكالاً عديدة خلال الوباء. بعض الناس لم يؤمنوا بوجود إيبولا مطلقًا. واعتقد آخرون بوجوده، ولكنهم كونوا أفكارًا خطأ عن كيفية انتشاره وأسبابه. أما البعض فاقترح علاجات وهمية، وكان العلاج بالبصل والقهوة أحد هذه الأمثلة الأقل ضررًا.

وقد عانى ماندي سيلا –الذي يدير مشروعًا صغيرًا في وسط مدينة كوناكري– شخصيًّا من جراء المعلومات المضللة. ففي ذروة ما أسماه ”هوس“ كوناكري، كانت هناك جهود تبذل يوميًّا؛ لمساعدة الناس على تذكر غسل أيديهم. ولكن بعض السكان المحليين رأوا أن المرض بلاء سلطه الله على الملحدين فقط، لذا تعاملوا مع هذه الممارسات باعتبارها طقوس تطهير دينية، لا تدابير للنظافة الصحية، وفقًا لسيلا.

وفي بعض الأحيان، كان يُنظر إلى الاستراتيجيات الأخرى لمكافحة الفيروس، مثل رش المنازل لتطهيرها، بأنها تأتي بمفعول عكسي تمامًا. فكثير من الناس اعتقدوا أن الرش، المضاف إليه قدر من الكلور من أجل التطهير، محتوٍ على فيروس إيبولا أيضًا. يقول كيتا: إنهم كانوا يعتقدون ”أن الرش عامل لانتشار الفيروس“. وسرعان ما انتشرت شائعات مشابهة حول موازين الحرارة المستخدمة لقياس درجة حرارة الجسم.

في هذه الآونة، كان على موظفي الصحة الذين نقلوا المرضى وجمعوا جثث الموتى العمل بسرعة، ولا متسع من الوقت لشرح ما كانوا يفعلون، أو لماذا. وفي كثير من الأحيان، تصادمت أفعالهم مع المعتقدات والتقاليد الدينية للمجتمعات؛ إذ لم يُسمح للأقارب بمس الميت وإجراء الطقوس الجنائزية التقليدية. ما أدى لشيوع نظريات المؤامرة. يوضح كيتا أن أشخاص كثر بدأوا يعارضون بشدة استراتيجية الحكومة الغينية المتعلقة بإدارة الجثث، وقال: ”ظنوا أننا جمعنا أعضاء الجثث لبيعها“.

وبمجرد انتشار إيبولا خارج حدود غينيا، تفاقمت البلبلة بشأن أسبابه وعلاجه. وفي أغسطس 2014، شُخصت إصابة شاب غيني بفيروس إيبولا في داكار، عاصمة السنغال. اعتقد كثير من السنغاليين أن المرض عقاب من الله، لذلك لن يصيب إلا أشخاصًا معينين. وكنتيجة لهذا، نحوا جانبًا تدابير النظافة الصحية الموصى بها من قبل السلطات الصحية.
 
قصص مرعبة

في ذروة الوباء، عندما مات المئات من الأشخاص كل يوم، انتشرت حالة من الذعر. وصور البث الإذاعي، والقصص التي يتداولها الناس، إيبولا باعتباره تهديدًا مروعًا لا مفر منه.

يقول جيروم موتون –رئيس فريق استجابة منظمة ’أطباء بلا حدود‘ في غينيا–: إن إيبولا كان يُستخدم مصدرًا للرعب في الأدب والسينما في أنحاء غرب أفريقيا، وتحول المرض إلى ”فزاعة كبيرة“.

ويضيف موتون: ”الرسائل الأولى التي بُثت صورت الإيبولا مرضًا يقتل بلا استثناء تقريبًا، ولا شفاء يُرجى منه“. ”مع مثل هذه الرسائل، صار من الواضح أن الحصول على استجابة عقلانية ومدروسة من السكان لن يكون هينًا. وعززت فرق الإنقاذ خوف السكان –في بعض الحالات– بدلاً من تهدئتهم“.

وفي الوقت نفسه، كانت المعلومات المضللة تنتشر أيضًا عبر شبكة الإنترنت. ومنذ بداية الأزمة، حاولت السلطات الصحية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيسبوك؛ لنشر معلومات حول إيبولا، وجمع دلالات عن الأماكن التي تحتاج إلى وجود فرق الاستجابة بعد ذلك. وعلى الرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي تصل إلى كثير من الناس، سرعان ما بات واضحًا أنها ليست دائمًا المحفل المناسب لمناقشة القضايا المعقدة. فقد صارت المعلومات حول انتشار إيبولا واتقائه مشوشة، ومشوهة، ومبالغًا فيها.

واستفحل الوضع بسبب الافتقار إلى قنوات وسائل الإعلام التقليدية الموثوق بها، والتي تبث معلومات جادة. وفي الواقع، وفي خضم الاندفاع للحصول على أخبار مثيرة، كررت بعض وسائل الإعلام التقليدية شائعات سخيفة بأن الإيبولا كان ”مرض الموتى الأحياء“ الذي أرسله الله لمعاقبة الملحدين.

بعد أن أُصبت بالمرض، أخبرني كثيرون أنه لم يعد لديَّ أي فرصة للنجاة؛ لأنه لا لاج لإيبولا. وبدأت أخشى حدوث الأسوأ.

ساساباسّي تيميسادونو، مستشفى جوكيدو

استغلت بعض القنوات الإخبارية مفاهيم خطأ بشكل سافر؛ لتحقيق أهدافها الخاصة، من خلال العزف مثلاً على الخصومات السياسية والعرقية السائدة في البلد، كما يقول تشارلز فييرا سانشيز، كبير مديري البرامج بفرع غرب أفريقيا لمنظمة المادة 19؛ وهي منظمة غير حكومية تعمل من أجل الدفاع عن حرية التعبير.

على سبيل المثال، ادعى زعيم حزب المعارضة في غينيا أن الحزب الحاكم كان ينشر إيبولا بشكل انتقائي في المناطق الحرجية بالأمة. وبدأ سانشيز وفريقه عددًا من حملات التوعية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وحاولوا الحد من الضرر السياسي والقلاقل الاجتماعية الناجمة عن هذه الشائعة ومثيلاتها.

وفقًا لسانشيز، أبرزت أزمة الإيبولا عجز الخدمات الصحية عن بث قنوات معلومات واضحة عند مواجهة وباء. وزاد من تعقيدات المشكلة وزاد انعدام الثقة بين الجمهور والنخبة السياسية والاجتماعية في المنطقة.

ويعتقد سانشيز أن هذا يفسر سبب تفشي إيبولا في مجتمعات سبق أن خضعت لرعاية العاملين في مجال الصحة.
 
تفسيرات غامضة

كانت الشائعات حول إيبولا تخلق حالة من القلق حتى بين أوساط المتعلمين. وحدثت امرأة في غينيا سانشيز عن كيفية وزمان وفاة عائلة بأكملها في حيها، وكيف أصابها ذلك بانزعاج شديد. في ظل هذه الظروف، وفي ثقافة لا تحظر التفسيرات الغامضة دائمًا، تقول المرأة: ”شرع الناس في تصديق أي شيء“.

أحد الأشياء التي تعلق الناس بها كانت ممارسة السحر. لا تزال القوى الخارقة للطبيعة واقعًا في أذهان كثير من المجتمعات الأفريقية، حتى الحاصلين على تعليم متقدم وفي وسط يتمتع بتنمية اجتماعية. ففي غرب أفريقيا، استجاب كثير من الناس للتفسيرات الغامضة للمرض من خلال التماس علاجات تقليدية، على الرغم من جهود الحكومة لوقف هذه الممارسات.

وقد يبدو أحيانًا أن علاجات السحر تنجح، مما قد يعزز هذه المعتقدات. أفاد سيلفان فاي –عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية الذي يعمل مع منظمة الصحة العالمية في غينيا– عن حالة لمريض جاءت نتائج فحوصه إيجابية للإيبولا، وذهب لرؤية معالج تقليدي. وفي وقت لاحق، أظهر فحص إيبولا خلوه من المرض.

بغض النظر عن إساءة تفسير الاختبار أو الأعراض الأولية لدى الرجل، فقد خشي فاي وفريقه أن تزيد مثل تلك الحوادث من معتقدات أن المرض يُنشر بشكل متعمد من قبل المنظمات الدولية.

يقول فاي في هذا الصدد: ”لا تزال كيفية حدوث ذلك لغزًا“. وأتبع قائلاً: ”لم نكن نريد أن نعطي الواقعة أي شكل من أشكال الدعاية، التي يمكن أن تعزز فقط معتقدات أن الممارسين التقليديين كانوا أفضل استعدادًا من العاملين في المجال الطبي التقليدي للتعامل مع الإيبولا، وهو اعتقاد خطأ– على أية حال“.

والفكرة القائلة بأن الإيبولا كان شرًّا خارقًا تعني أيضًا أن المصابين تشككوا غالبًا في قدرتهم على التعافي. إن ساساباسّي تيميسادونو –العامل الصحي في مستشفى جوكيدو في غينيا– أصيب بالإيبولا وهو يُعنى بضحايا آخرين. ولكونه مساعدًا طبيًّا، كان لديه بعض المعارف الأساسية عن الفيروس. لكنه –مع ذلك– شكك في قدرته على التعافي بسبب شائعات مستمرة تقول إن إيبولا نَجم عن السحر.

يقول تيميسادونو لشبكة SciDev.Net: ”بعد أن أصبت بالمرض، أخبرني كثيرون أنه لم يعد لديَّ أي فرصة للنجاة؛ لأنه لا علاج لإيبولا، وبدأت أخشى حدوث الأسوأ“. لحسن الحظ، فقد تعافى من مرضه.
 
استراتيجية الشفافية

استغرقت فرق الاستجابة ووكالات الصحة الدولية وقتًا طويلاً لأخذ المعلومات المضللة عن إيبولا وتأثيرها على السكان المحليين على محمل الجد. ويقر كيتا بأن الآثار الاجتماعية للمرض ”نُحيت جانبًا منذ البداية في تخطيطنا الفني“. وما إن بلغ الوباء ذروته، في حوالي يوليو 2014، حتى أدركت فرق الاستجابة كيف أن القيود الاجتماعية الناتجة عن معلومات مضللة منعتهم من إيقاف الوباء. ويضيف كيتا: ”لذلك كان علينا أخذ هذه المعايير في الاعتبار“.

لمواجهة الشائعات، دعت السلطات الصحية علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية للمشورة، واستخدمت وسائل بث المعلومات، مثل الإذاعة والصحف والفنانين والقيادات الدينية والمجتمعية.

أحد العناصر الأساسية في الاستراتيجية، وفقًا لموتون، كان جعل مراكز العلاج وما يدور بداخلها أكثر شفافية لعموم السكان. منذ البداية، شهد عمال الصحة مشاكل متعلقة بهذه المراكز. ونظرًا لوجوب عزل مرضى الإيبولا تمامًا، وأنهم لن يتواصلوا –لبعض الوقت– إلا مع أشخاص يرتدون معاطف واقية غريبة المظهر، فإن تجربة نقل المرضى إلى المركز تؤذيهم وذويهم على حد سواء.

وقال موتون إن ”جانب العزلة“ المرتبط بهذا المرض غذى الشائعات. ”عندما كان الناس لا يعرفون ما يجري، تخيلوا كل صور الأشياء الفظيعة“. ويتابع موتون: ”على سبيل المثال، كانت هناك شائعات بأن المراكز كانت تُستخدم للاتجار بالأعضاء. لن يريد أي شخص –في ظل هذه الظروف– أن يُعالَج في مراكزنا“.

لهذا قررت منظمة أطباء بلا حدود أن تكون أكثر وضوحًا بشأن أساليب علاج إيبولا، والسماح للأصحاء بإلقاء نظرة على المراكز الصحية المفتوحة حديثًا.

بمجرد اقتناع الناس بقيمة أن تعلق مجتمعاتهم المحلية تقاليد معينة بشكل مؤقت لمصلحة الصحة العامة، يصبح التواصل مع السكان أسهل بكثير.

يروم موتون، منظمة أطباء بلا حدود

ويضيف كيتا مشددًا على ضرورة التواصل بشكل أفضل، أن فرق الاستجابة التي يرأسها أقنعت القيادات الدينية والمجتمعية بالتحدث للسكان؛ ”لكي يفهموا بواطن هذا المرض وظواهره“. وساعد علماء الأنثروبولوجيا أيضًا وزارة الصحة في غينيا على فهم عادات الناس بشكل أفضل، ومن ثم تحسين استجابات الإيبولا.
 
تخطي التحديات

بالنسبة لموتون، لم تمثل مشاكل التواصل صدامًا تعجيزيًّا بين التقاليد والحداثة. فقد وجد أن توزيع معلومات دقيقة بصبر وحساسية حول علاج إيبولا والوقاية منه مجديًا، وكان أكثر فعالية من محاولة فضح السحر والطب التقليدي.

وأضاف موتون: ”بمجرد اقتناع الناس بقيمة أن تعلق مجتمعاتهم المحلية تقاليد معينة بشكل مؤقت لمصلحة الصحة العامة، يصبح التواصل مع السكان أسهل بكثير“.

لكن موتون يلاحظ أن مثل هذه الحملات الإعلامية معقدة وتستغرق وقتًا طويلاً، وخصوصًا في خضم أزمة صحية شاملة. ”هذه أمور لا يمكن معالجتها إلا على مستوى المجتمع المحلي، من خلال الحديث مباشرة إلى السكان“، وفق قوله.

وبينما حرصت منظمة أطباء بلا حدود على التواصل، وصولاً إلى التفاصيل الجزئية، واصل فريق سانشيز التركيز على إيصال المعلومات ومحاربة الأفكار النمطية عن إيبولا على الإنترنت. وكان على فريق المادة 19 أيضًا مكافحة الارتياب في العاملين في مجال الصحة ووكالات المساعدات الدولية بين السكان المحليين والسلطات.

يقول سانشيز: ”كان هناك بعض الريبة في منظمات ينظر إليها على أنها الأيادي الخفية للغرب“. وقد ساعد نشر رسائل مطمئنة على وسائل الإعلام الاجتماعية على إخماد مثل هذه الأفكار، لكن سانشيز يعتقد أن الآراء عن الإيبولا تغيرت في النهاية من خلال مزيج من قنوات المعلومات فقط، يتضمن ذلك الإذاعة والأحاديث المتداولة بين الناس.

واستخدمت منظمة المادة 19 مبادرتها #SenStopEbola (السنغال توقف إيبولا)؛ لإقناع المدونين المشهورين بتركيز كتاباتهم على المرض. وطلبوا من الكُتاب إعطاء الأولوية للمشاركات التي تناولت الشائعات وأزالت سوء الفهم. وعملت المنظمة أيضًا مع فنانين محبوبين، بما في ذلك نجم موسيقى الريجي بساحل العاج، تيكن جاه فاكولي؛ لإضفاء مزيد من النفوذ على رسائلها.

وبعد مرور عام على ذروة الفاشية، ينحسر إيبولا وتعود الحياة في غرب أفريقيا ببطء إلى طبيعتها. ومع ذلك، فقد قتل الوباء أكثر من 10.000 شخص، وخلّف أسرًا وقرى ومجتمعات منكوبة.

من الصعب معرفة ما إذا كان المرض سينتشر بشكل مختلف إذا تم التصدي للمعلومات المضللة سريعًا. لكن الواضح لمن مر بتجربة الفاشية أن معالجة المخاوف والشائعات بشكل مباشر كان حيويًّا للتغلب على الفيروس.
 
حمزة فساسي هو المنسق الإقليمي لمكتب شبكة SciDev.Net بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ونسختها الناطقة بالفرنسية.

أسهم جوليان تشونج-وانج وفاران مايجاري بتغطية إضافية في هذه القصة.

التحليل منشور بالنسخة الدولية يمكنكم مطالعته عبر العنوان التالي:
Managing rumours and misinformation in West Africa

هذا التحليل جزء من إضاءات.. إدارة الأزمات الصحية بعد إيبولا.