Skip to content

30/12/15

نحو إسكان ميسر لفقراء الحضر

Kibera slum
حقوق الصورة:Christian Als/Panos

نقاط للقراءة السريعة

  • لا يمكن التعويل على الدعم الحكومي لتوفير إسكان مناسب بأيسر تكلفة
  • استخدام مواد بناء أرخص أو أحدث مجرد جزء من الحل
  • على الحكومات النظر للإسكان الجيد باعتباره باعثًا لتنمية المدن

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

مواد البناء الحديثة أو الأرخص ليست كافية لحل مشكلة الإسكان في المدن، وفق ما يقول بابار ممتاز.
 
في دول نصف الكرة الأرضية الشمالي، يعني ’الإسكان ميسور التكلفة‘ في المناطق الحضرية إسكانًا لا تستطيع الدولة تحمله (وكان يُسمى في السابق إسكانًا حكوميًّا أو إجتماعيًّا). لكن لا يمكن اعتباره حلا حين يكون التمويل الحكومي شحيحًا، وغالبًا ما يُساء استخدامه.
 
وبالاتجاه جنوبًا، نجد الإسكان هو هو، ما يستطيع الناس والمجتمع دفع ثمنه، مع كونه ملائمًا ومقبولًا.
 
 ”ينبغي على الحكومة اعتبار السكن ميسور التكلفة ضرورة وقوة إيجابية لدفع عجلة التنمية الحضرية“.

بابار ممتاز
إذن لماذا يستمر وجود الإسكان غير الملائم؟ والإجابة: بالطبع، هي انخفاض مداخيل أفراد الشعوب.
 
وبالرغم من أن أكثر من 80% من المنازل يسكنها مُلَّاكها، في العديد من الدول النامية، إلا أن انخفاض الدخول يعني أنها غير ملائمة –كما يبدو واضحًا في الأحياء الفقيرة والمستوطنات العشوائية التي أصبحت سمة المدن في الجنوب.
 
لذا فإن الحل الجذري الواضح هو دفع أجور مناسبة للأفراد. وثمة حل آخر يتمثل في إعادة النظر في البنود والشروط الخاصة بتمويل الإسكان التقليدي؛ فالحصول على قرض عقاري أمرٌ ليس مطروحًا لأولئك الذين لا يملكون دخولًا عالية أو ثابتة، فهم إما لا يمكنهم الاقتراض، أو لا يستطيعون اقتراض مبالغ كافية لشراء أرخص منزل في السوق.
 
وبإمكان قروض التمويل متناهية الصغر المساعدة في الإصلاحات أو التوسِعات، لكن تطبيقها على شراء السكن يبقى محدودًا. وبإمكان نموذج غير تقليدي يهدف إلى الوصول والتأثير بشكل أكبر أن يقوم –على سبيل المثال- باستخدام قروض متتالية قصيرة الأمد للبناء التدريجي، تُسدد بمبالغ متباينة (من خلال الهواتف الجوالة، مثلا) عن طريق شبكة من وكلاء التجزئة المجتمعيين.
لكن بعيدًا عن التمويل، ما الذي يمكن فعله، ولماذا لا يتم؟
 
منازل أرخص
 
هناك طريقتان لجعل المنازل أقل تكلفة: تصغير مساحاتها، أو استخدام مواد وأساليب بناء أرخص.
 
إن أغلب المنازل في الدول النامية صغيرة بالفعل (غرفة أو غرفتان) وتستخدم مواد بناء محلية رخيصة، وغالبًا مُعاد تدويرها. كانت هناك محاولات عدة لزيادة المساحة إلى أقصى حد من خلال التصميمات الذكية، واستخدام الحوائط المتحركة، وحتى تقنيات بناء جديدة مثل الكتل المتشابكة أو الطباعة ثلاثية الأبعاد.
 
من بين تلك الأمثلة المنزل الذي تبلغ تكلفته ألف دولار أمريكي، وهناك أيضًا المسكن منخفض التكلفة الذي طورته شركة وورلدهاوس في الهند، ومنازل أخرى من ’إيكيا‘ أو من شركة ’تاتا هاوسينج‘ في الهند (منزل تاتا النانوي). وكلها نماذج أولية لوحدات سكنية صغيرة تستخدم تقنيات ومواد للإنتاج الشامل القائم على التصنيع.
 
لكن في الواقع، هذه المحاولات لا تقدم ما يكفي لحل المشكلة. أولًا: نادرًا ما تتلاءم التصاميم مع كيفية استخدام الناس للمساحات المنزلية. ففيها مطابخ مفتوحة أو غرفة نوم واحدة على سبيل المثال. ثانيًا: يمثل المبنى 40% فقط من تكلفة السكن، والباقي هو ثمن الأرض والبنية التحتية وأجور العمال. لذا، حتى إذا تم خفض تكلفة الإنشاء إلى النصف –وهو أمر ليس بالهين، خاصة وأن المواد المستخدمة بالفعل هي الحد الأدنى، وغالبًا ما تكون مُعادة التدوير- فسيقل إجمالي التكاليف بمقدار 20% فقط.
 
ومع ذلك هناك مساحة لتتدخل التقنية. ونظام الصرف الصحي هو أحد الجوانب: فأحد أقدم المستوطنات الحضرية في باكستان، والتي تعود إلى نحو 5 آلاف سنة، وتسمى موهينجو-دارو، يُقال إنها كان لديها نظام مياه وصرف أكثر فاعلية من العديد من مدن عصرنا الحالي التي لا تصل أنظمة المياه والصرف الصحي إلى العديد من منازلها. كذلك فإن إنتاج مكونات بناء موحدة –أبواب ونوافذ وكذلك الأسقف والأرضيات- يمكن أن يسهل دمجها في المساكن ويقلل من تكلفته.
 
تكلفة الأراضي
 
أكبر قيود الإسكان الملائم هو الأرض. فالأرض تضيف كثيرًا إلى تكلفة السكن، والسبب الرئيسي هو أن محدودية العرض تؤدي إلى حيازة الأرض بناء على المضاربة، حيث يشتري المستثمرون أراضيَ بثمن بخس، ويحتفظون بها دون طرحها للبيع إلى أن تزيد قيمتها.
”أغلب المنازل في الدول النامية صغيرة بالفعل (غرفة أو غرفتان)، وتستخدم مواد بناء محلية رخيصة، غالبًا ما يكون مُعادًا تدويرها“.
 
بابار ممتاز

وفي تقديري فإن أفقر 20% من متوسط سكان المدن يشغلون فقط نحو 2 أو 3% من إجمالي الأراضي. وليس من الصعب على المدن التخطيط لتوفير هذا القدر الصغير من الأرض بالثمن والمساحة المطلوبَين، وإذا دعت الحاجة، فبالإمكان تغطية التكلفة الإضافية من خلال ضريبة نسبتها 1 إلى 2% على القطع الكبيرة. لن يؤدي هذا إلى استيعاب المدن للتنوع على نحو أفضل فحسب، بل يضيف أيضًا المزيد من الحياة والنشاط إلى مساحات واسعة من الضواحي النائية.
 
السياسة وسياسات الإسكان
 
من الممكن توافر مساكن ميسورة التكلفة تكون مقبولة ومستدامة في ذات الوقت –للأسر وللمجتمع- لكنها في النهاية تتطلب تغييرًا في الطريقة التي ينظر بها الساسة والحكومة إلى الإسكان.
 
وهذا أمر صعب لثلاثة أسباب. أولًا: يعتقد الساسة أن توفير الإسكان سيجتذب المهاجرين، لكنهم في الواقع يأتون من أجل الوظائف والتعليم والعمل لتحقيق مستقبل أفضل لأبنائهم.
 
ثانيًا: هم ينظرون إلى الفقراء (ومنازلهم) على أنهم يمثلون استنزافًا لموارد المدينة بدلًا من المساهمة في تنميتها، كعاملين ومنتجين ومستهلكين في الواقع.
 
وثالثًا: غالبًا ما تتصرف الأحياء الفقيرة والعشوائيات باعتبارها ’بنوك أصوات انتخابية‘ في المتناول؛ فهي مجموعات يبادلها السياسيون علاقة الزبون وصاحب العمل، إذ يحصلون على الأصوات مقابل الحماية من الطرد. ولأن توفير السكن غالبًا ما يتطلب التنقل، فإن هذا يؤدي إلى تشتت هذه الأصوات الانتخابية أو انتقالها إلى سياسي آخر. كما أن الناس غالبًا ما يعارضون نقلهم خوفًا من خسارة العمل أو فرص الكسب.
 
إذن لا يمكن توفير إسكان ميسور التكلفة طالما يُنظر إليه باعتباره تكلفة تتطلب التقنين ومنح المنازل المدعومة. إنما بدلًا من ذلك، ينبغي على الحكومات النظر إليه باعتباره ضرورة وقوة إيجابية لدفع عجلة التنمية الحضرية.

 
* بابار ممتاز: مستشار التنمية الدولية ومدير أوربانوفيشن، وله خبرة أكثر من 30 عامًا في مجال التخطيط الحضري وتمويل الإسكان. يمكن التواصل معه على [email protected]

 
المقال جزء من ملف بعنوان: ’أزمة المأوى.. إعادة البناء بعد الكارثة‘، منشور بالنسخة الدولية، يمكنكم مطالعته عبر العنوان التالي: