Skip to content

30/03/14

حول العالم العربي.. الريف منطلق ثورة صناعية خضراء

Date  Emirates 64-x425
حقوق الصورة:Flicker/ Visit Abu Dhabi

نقاط للقراءة السريعة

  • تواجه الريف مشكلة تتمثل في تدني الجدوى الاقتصادية للزراعة، وانتشار البطالة، والهجرة العكسية إلى الحضر
  • ثمة فرصة لثورة صناعية جديدة تبدأ من الريف عندنا وتشمل الحضر
  • وهي فرصة لإبداع لا ينفد، يتمثل في تكنولوجيا جديدة تناسب السياق الاجتماعي الحضاري

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

 
يؤكد حامد الموصلي أن لدينا فرصة نادرة لبلورة أنشطة صناعية، تصادق البيئة لأنها بلا مخلفات تضرها 

ليس الريف مجرد أراضٍ تزرع لتحقيق أهداف اقتصادية! إنما الريف هو الوعاء الحضاري الأساسي لبلادنا العربية، وهو الوريث الرئيس للقيم الحضارية على امتداد التاريخ، وكذلك أساليب الحياة التي ميزت أمتنا العربية عن عداها من الأمم والحضارات. 
 

والريف كذلك يحمل مكونًا مهمًّا لذاكرتنا الحضارية في الإنتاج: أي التراث التقني، الذي هو خلاصة خبرات الأجيال المتعاقبة في كل مجتمع محلي في التعامل مع معطيات البيئة المحيطة ومع مواردها المحلية من أجل إشباع حاجاتها الأساسية. 
 
وبقدر تنوع الظروف الإيكولوجية والخصائص الحضارية في بلادنا العربية يتنوع التراث التقني، الذي يمثل ثروة معرفية وتقنية هائلة لا تقدر بثمن، نتميز بها، ويمكننا توظيفها في التنمية. 
 

مشكلة 

لكن الجدوى الاقتصادية للزراعة تدنت، ولم تعد أسعار المحاصيل الزراعية على رأس الحقل تفي بنفقات الإنتاج، مما يهدد باتجاه الفلاح لترك الزراعة وتبوير الأرض، وما يؤدي بالتالي إلى زيادة العجز في توفير الغذاء مع زيادة تكلفة استيراده في المستقبل.
 
كما فاقت معدلات البطالة في الريف نظيراتها بالحضر، مما يشير إلى العديد من المخاطر الاجتماعية والسياسية التي تتعلق بهذه الظاهرة.
 

لدينا فرصة نادرة للقيام بثورة صناعية جديدة صديقة للبيئة تبدأ من الريف وتشمل الحضر.

ويعاني الريف كذلك بطالة مقنعة: فلقد أدت ميكنة الأنشطة الزراعية في الريف إلى انخفاض عدد الأيام الفعلية للعمل الزراعي إلى 120– 180 يومًا على الأكثر.
 
وأخيرًا أدت الهجرة من الريف إلى الحضر إلى تفريغ الريف من العناصر الشابة الدينامية، التي كان يمكن أن تمثل عوامل للنهوض بالريف وتنميته ذاتيًّا، فضلاً عن نمو المناطق العشوائية في الحضر وما يرتبط بهذه الظاهرة من مخاطر اجتماعية وسياسية. 
 

الفرصة

 
ورغم ما سبق يظل لدينا تاريخ طويل في الزراعة. فنحن لدينا تراث تقني غني جدًّا، وثقافة متجذِّرة في التعامل مع الموارد الزراعية، وهذا يعطينا ميزات نسبية وتنافسية هائلة لتنمية قرانا العربية.
 
 ويعزِّز هذه الميزات ويزيدها؛ ما نتمتع به من تنوع هائل في الخبرات التاريخية المتعلقة بالصناعات القائمة على الموارد الزراعية، مثل إنتاج الورق من نبات البردي، والنسيج من ألياف الكتان، والأقفاص من جريد النخيل، والحصير من السَّمّار، والمنتجات الجلدية والنسيج من صوف الغنم ووبر الجمل وشعر الماعز. 
 
إن لدينا فرصة نادرة للقيام بثورة صناعية جديدة صديقة للبيئة، تبدأ من الريف وتشمل الحضر، تقوم على فكرة الفهم الشامل للمورد الزراعي، بمعنى إدراك خصائصه المختلفة من بنية تشريحية وتركيب كيميائي، وصولاً للعناصر الكيميائية؛ أي إدراك بنيته على المستويين: الماكرو والميكرو.
 
والفرصة ذاتها قائمة لبناء نسق صناعي للاستخدام الشامل للمورد ومكوناته بكل عناصره، مما يؤدي إلى بلورة أنشطة صناعية بلا مخلفات، بحيث تتكامل الصناعات لتحقيق الاستفادة الشاملة من إمكانات المورد، كما يوضح نموذج النخلة.
 
أؤكد، نحظى بفرصة هائلة لإبداع لا ينفد؛ فلدينا مجالان للإبداع: 
 

مجالان للإبداع 

 
يقع المجال الأول منهما بين معايير أداء خدمة ما ومتطلباتها، أو مواصفات منتج ما مطلوب على المستوى المحلي –مستوى المجتمع– أو القومي أو العالمي؛ وبين إدراكنا لخصائص الموارد المتجددة، سواء كانت بنيتها التشريحية وخواصها الميكانيكية والطبيعية (الوزن النوعي، والتشرب بالسوائل، والقابلية للصق والدهان، والموصلية الحرارية، وخاصية العزل الحراري والصوتي والكهربي، واللون والملمس والمظهر العام، والخصائص الجمالية، وسمات التفرُّد بين الموارد) أو تكوينها الكيميائي. 
 
بذلك ينشط الفكر، والخيال، والبحث العلمي لاكتشاف مجال جديد من أجل استخدام هذه الموارد المتجددة لأداء خدمة ما، أو لإنتاج منتج ما، ويكون الناتج الإبداعي لهذا المجال أفكارًا جديدة عن خدمات أو منتجات مستحدثة مرتبطة بهذه الموارد.  
 
أما المجال الثاني فهو يقع بين الفكرة الجديدة للخدمة أو المنتج المطلوب، وبين السياق الاجتماعي الحضاري الذي يجري فيه إنتاج هذه الخدمة أو المنتج الجديد. 
 
والناتج الإبداعي للمجال الأخير يتمثل في تكنولوجيا جديدة تناسب السياق الاجتماعي الحضاري؛ فالتكنولوجيا المناسبة هي تلك التي يستطيع السياق الاجتماعي الحضاري أن يهضمها، ويتملكها، ويتقوى بنيانه بها، ويطورها ذاتيًّا، مما يحقق أحد أهم شروط الاستدامة. 
 
ومثلما يوضح المأثور الشعبي ”مطرح ما يسري يمري“ أن هناك شروطًا يجب أن تتحقق في الطعام حتى يمكن للجسم أن يهضمه، كذلك يتضح وجوب أن تناسب التكنولوجيا السياق الاجتماعي الحضاري الذي يستخدمها؛ فليست التكنولوجيا الأحدث هي دائمًا المناسبة؛ وفقًا لمعيار القبول الاجتماعي الحضاري لها، وانفعال المجتمع بها وتغيُّره معها. 
 

الاتساق والسياق الاجتماعي الحضاري

 
مثال هذا؛ شركة أبناء قوص للألياف النباتية؛ Biofibers، التي تتمثل فكرتها الأساسية في تحويل حطب الذرة الرفيعة وحطب الذرة الشامية وسفير القصب إلى مدخلات جاهزة تدخل على خطوط إنتاج ألواح الخشب الليفي متوسط الكثافة، وأخشاب الحبيبي، وكذلك المؤلفات الليفية البلاستيكية.
 
عندما قمنا بمشروع دراسة الشركة؛ وجدنا أنه من المناسب أن يبدأ التصنيع في الحوض الزراعي ومن خلال الجمعيات الزراعية التعاونية المحلية. كما وجدنا أن تقوم الشركة في منطقة قِفط الصناعية (جنوبي مصر) بإعارة هذه الجمعيات ماكينات الفرم ومكابس البالات. 
 

التكنولوجيا المناسبة هي التي يستطيع السياق الاجتماعي الحضاري أن يهضمها ويتملكها ويتقوى بنيانه بها ويطورها ذاتيًّا، مما يحقق أحد أهم شروط الاستدامة.

مقتضى هذا التدبير أن يجري ’التشوين‘ والتجفيف الهوائي في الأحواض الزراعية، وصولاً للفرم والكبس في بالات لها كثافة حجمية عالية تضمن اقتصاديات جيدة لنقل هذه البالات إلى المنطقة الصناعية، حيث يُستكمل تصنيع هذه المواد للحالة المطلوبة لكل صناعة.
 
مثال آخر عندما قمنا بالدراسة الميدانية لقرية شماس (مركز سيدي براني، محافظة مطروح)، وهي إحدى القرى الفقيرة في شمال غرب مصر، وجدنا أن التين الصغير معدوم القيمة سوقيًّا يمكن أن يمثل أساسًا ماديًّا لقيام صناعة مربى في القرية.
 
وهنا واجهنا سؤال: كيف نختار التكنولوجيا المناسبة لتصنيع مربى التين في قرية شماس؟
 
وجدنا أن القرية تضم 291 منزلاً تتناثر في محيط حوالي 100 كيلو متر مربع، ويفصل بين المنزل والآخر مسافة تقرب من 2– 3 كيلو مترات وأكثر.
 
كذلك أدركنا أن زراعات التين قريبة من المنازل، وأن الأعمال الإنتاجية المنزلية تقع بالكامل على كاهل المرأة، في حين يقوم الرجل بالعمل خارج المنزل في أعمال مثل التجارة والنقل، أو العمل على السيارات. 
 
أيضا تأكدنا أن التقاليد السائدة في مجتمعات البدو لا تسمح –إلا فيما ندر– بخروج المرأة للعمل خارج المنزل؛ لذا قررنا اختيار نموذج التصنيع المنزلي، أي أن تنتقل الصناعة (كنشاط) للمرأة في المنزل.
 
ثم وضعنا الاشتراطات الصحية التي يتوجب على المنتفعات الوفاء بها في حجرة التصنيع بالمنزل؛ حتى تتحقق المواصفات القياسية العالمية المطلوبة في مربى التين المنتجة منزليًّا. 
 
هكذا تم اختيار المعدات المطلوبة لتصنيع المربى بالمنزل، بحيث تسعها حجرة 4× 5 أمتار دونما إخلال بالأسس العلمية والاشتراطات الصحية. وضمت هذه المعدات جهاز قياس مستوى تركيز المربى Refractometer   -المعدَّة الوحيدة المستوردة- بحيث تؤخذ قراءاته بالتوجيه للشمس.
 
لقد جرى تحليل مربى تين قرية شماس بالمعمل المركزي للبيئة في هلسنكي بفنلندا، وحازت القبول للتصدير وفقًا للمعايير الصحية لجمارك فنلندا. 
 
علَّمنا هذا النموذج أنه من الممكن، بل من اليسير، نشر ثقافة الصناعة –أو الصناعة كثقافة– من خلال النسيج الاجتماعي الحضاري الحيّ للمجتمع المحلي، وأنه من الممكن أن يهضم ذلك النسيج ويستوعب مفاهيم هندسية، مثل القياس وضبط الجودة.  
 
أكرر، لدينا الفرصة لإنجاز تكاملٍ بين أنشطة الزراعة والصناعة والتجارة على أرض الريف؛ من أجل تحقيق الاستفادة الكاملة قدر الإمكان من سلسلة القيمة Value chain لرفع العائد الاقتصادي والتنموي لهذه الأنشطة محليًّا في الريف، وأن يجري تصنيع المنتجات النهائية وفقًا لأذواق المستهلكين وحاجاتهم، وأن تسجل العلامات التجارية للسلع؛ استغلالاً للميزات التنافسية المتاحة بكل منطقة. 

 * الدكتور حامد إبراهيم الموصلي: أستاذ متفرغ بكلية الهندسة، جامعة عين شمس المصرية. رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية.

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط