Skip to content

25/02/15

حول العالم العربي.. مستقبل الزراعة في الجنوب

Agriculture in egypt
حقوق الصورة:Flickr/ world bank/ Ray Witlin

نقاط للقراءة السريعة

  • أكثر من مليار من البشر -أغلبهم في الريف- عاجزون عن إشباع حاجاتهم الأساسية
  • التحول من ثقافة الرأسمالية إلى ثقافتنا التقليدية يعظم الاستفادة من عناصر المورد الزراعي
  • مستقبل الزراعة بالجنوب يتجاوزها من حيث إنها نشاط اقتصادي، ويرتبط بقضية التحقق الحضاري

أرسل إلى صديق

المعلومات التي تقدمها على هذه الصفحة لن تُستخدم لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه، ولن تُباع لطرف ثالث. طالع سياسة الخصوصية.

 
 في ظل توجهات عالمية تتمثل في تصفية الزراعة القروية بالجنوب، يطرح حامد الموصلي رؤية جديدة لتنميتها تنمية مستدامة
 
كانت القرية تتميز –ربما حتى أوائل الستينيات من القرن الماضي– بذلك التوافق بين أساليب الحياة وأنماط الاستهلاك والإنتاج وبين الموارد المحلية التي ينتجها الريف؛ ففي ظل الاقتصاد المعيشي الذي كان سائدًا حتى ذلك الوقت، كان الفلاح يعتمد في غذائه وكسائه وبناء مسكنه وصنع أثاثه …إلخ على موارده الزراعية أساسًا، وعلى إبداعه الذاتي، وعلى قدراته الذاتية في تصنيع كل ما يحتاج في حياته.

وكانت القرية تمثل نموذجًا للتنمية المستدامة -في إطار المعرفة المتاحة لها والتقنيات التي كانت تحوزها– قبل ظهور هذا المصطلح في أوروبا في الثمانينيات من القرن الماضي.

أخوض في هذا لأنه استثارني للغاية مقال يتحدث عن التوجهات المستقبلية لنمط الإنتاج الرأسمالي في الزراعة بالدول المتقدمة التي يدعمها البنك الدولي وتسعى إلى احتكار النشاط الزراعي والتوسع، والتخصص بلا حدود في إنتاج الحاصلات الزراعية بمعدلات غير مسبوقة وصلت إلى 1500 طن حبوب للعامل سنويًّا.[1]

ولا تتورع هذه التوجهات عن اللجوء إلى التعديل الوراثي للأصول النباتية لزيادة العائد الاقتصادي، بصرف النظر عن المخاطر البيئية الناجمة عن ذلك.

يستشرف المقال كارثة مرتبطة بهذه التوجهات تتمثل في تصفية الزراعة القروية في الجنوب، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخروج 3 مليارات قروي من المنافسة خاسرين، وما يحمله ذلك من مخاطر كارثية على مستقبل الحضارة الإنسانية.

خروج 3 مليارات قروي من المنافسة خاسرين، يحمل كارثة على مستقبل الحضارة الإنسانية.

ومن أسف أن يشير تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن أكثر من مليار من البشر -أغلبهم في الريف- عاجزون عن إشباع حاجاتهم الأساسية، وأن عدد سكان الأرض سوف يصل في عام 2050 إلى 9.5 مليارات نسمة، منهم 8 مليارات في دول الجنوب أيضًا، أغلبهم في الريف![2]

ألا يوحي ذلك لنا بدور مهم علينا القيام به لمساعدة القرية –من خلال توظيف معارف علمية وتقنية حديثة– على بلورة طبعة جديدة للتنمية المستدامة، اعتمادًا على مواردها الزراعية وعلى الاستفادة من الميزات النسبية والتنافسية التي تحوزها، قُطريًّا وإقليميًّا وعالميًّا؛ ما يجعلها قادرة على مقاومة تيار الزراعة الرأسمالية؟

الريف المصري نموذجًا

يضم الريف المصري قرابة 34 مليون نسمة تمثل 57% من إجمالي سكان مصر. ويصل حجم قوة العمل في الريف حاليًّا إلى نحو 9 ملايين فرد بواقع 27% من سكانه، ويُنتظر أن يقترب عدد سكان الريف المصري عام 2020 من 60 مليون نسمة.[3]

فإذا اطردت النسبة نفسها فسوف تبلغ قوة العمل قرابة 16 مليونًا؛ أي أننا بحاجة إلى 7 ملايين فرصة عمل جديدة في الريف حتى 2020.

وفي ظل محدودية العائد الاقتصادي من الزراعة، ومحدودية القدرة على التوسع في المساحات الزراعية، خاصة مع محدودية حصة الماء الخاصة بمصر من منابع النيل –بالإضافة إلى التوقعات المرجحة لنقصها مع اكتمال بناء سد النهضة الإثيوبي– تصبح الصناعة هي البديل الرئيسي لتوفير فرص عمل جديدة في الريف، إما كاملة أو أعمالاً إضافية للفلاح.

والهجرة إلى المدن هي البديل إن لم نوفر فرص عمل جديدة في الريف، أي تفريغه من العناصر الشابة الدينامية التي كان من الممكن أن تمثل عوامل نهوض بالريف وتنميته ذاتيًّا، بالإضافة بالطبع إلى نمو المناطق العشوائية وكل ما يرتبط بها من آثار اجتماعية وسياسية، فضلاً عن الهجرة غير الشرعية والكوارث والمآسي الإنسانية التي تؤدي إليها.

رؤية جديدة لتصنيع الريف

ما هي الاستجابة التنموية المنطقية لتدني الجدوى الاقتصادية للزراعة بحسبانها نشاطًا مستقلاًّ، ولعجز قطاع الزراعة عن توفير فرص عمل لأبناء الريف؟

إن التحول من ثقافة الرأسمالية قصيرة النظر -والتي تحصر تركيزها على المنتج الأساسي القابل للتسويق أو المحصول النقدي- إلى ثقافتنا التقليدية التي تهتم بالمورد ككل مع إعادة اكتشاف عناصر كل مورد وفقًا لمعطيات المعاصرة، بما يؤدي إلى بلورة رؤية اقتصادية جديدة تحقق أعلى استفادة ممكنة من عناصر المورد الزراعي كافة، سواء المنتج الأساسي أو المنتجات الثانوية، بلا أي مخلفات تضر البيئة.

إننا وفقًا لهذه الرؤية لا نهتم فقط بجني النخيل، أو التمور، بل نُعنى كذلك بالجريد والخوص والعرجون والليف والقحفة، ما يفتح بابًا أمام مجالات صناعية واسعة لإنتاج العديد من المنتجات التي تلبي احتياجات إنسانية غاية في التنوع على المستوى المحلي والقومي والعالمي. وبالمثل لن نحصر اهتمامنا بالقطن فقط، بل كذلك بسيقان القطن والأوراق والأفرع وبقايا اللوز.

وبنفس المنهج فإننا سوف نهتم لا بمحصول الطماطم القابل للتسويق مباشرة فحسب، بل بالطماطم القابلة للتصنيع عصيرًا كانت أم مسحوقًا، إضافة إلى البذور التي يمكن أن يُستخرج منها زيت منخفض الكولسترول، وما يتبقى يُضغط إلى الكسب الذي يمكن استخدامه علفًا للحيوان، فضلاً عن عروش الطماطم التي يمكن أن تمثل قاعدة مادية لصناعة ألواح الخشب الحبيبي.

كذلك بالنسبة لمورد البرتقال، يمكن أن يُستخدم محصول الفرز الثاني في تصنيع العصائر، كما يمكن استخراج زيت الليمونين من متبقيات العصير، والذي يستخدم لإعطاء النكهة في صناعة الحلويات، أما نواتج تقليم أشجار البرتقال فإنها تمثل قاعدة مادية متجددة لتصنيع ألواح الباركيه ومنتجات المشربية، ويمكن تطبيق المنهج السابق على عشرات الحاصلات الحقلية وزراعات الفاكهة؛ للحصول على نتائج مشابهة.
 
صناعة فقط أم صناعة وتجارة؟

إنني أتساءل: لمَ لا نعمل ونجتهد لإعادة اكتشاف التفرد الإيكولوجي وثراء الخبرة التاريخية واختلاف الموارد الزراعية المتاحة، بالإضافة إلى خصوصية المهارات الفردية في مختلف القرى؛ لتحديد الميزات النسبية والتنافسية لكل قرية، مما ييسر بالتالي اكتشاف الثغرات السوقية لكل قرية: قوميًّا وعالميًّا، وتوظيفها في التنمية؟

نستطيع أن نحول اسم كل قرية إلى علامة تجارية، هكذا يمكننا أن نعيد للقرية الاعتبار

إننا بهذا نستطيع أن نحول اسم كل قرية إلى علامة تجارية، هكذا يمكننا أن نعيد للقرية الاعتبار بحسبانها مصدرًا للقيمة وبؤرة للإبداع المبتعث حضاريًّا، كما نعيد بذلك الحياة للنسيج الاجتماعي الحضاري للقرية؛ حتى يتحول الانتماء لها إلى مصدر فخر لأبنائها، وما يوفر الفرص لأن تتشابك وتتعانق أحلام تحقيق الذات لشباب كل قرية مع حلم النهوض الحضاري بها.
 
 مستقبل الزراعة أم مستقبل حاصلات الجنوب؟

إنني أرى مستقبل الزراعة في الجنوب موضوعًا يتجاوز الزراعة من حيث إنها نشاط اقتصادي، ويرتبط أشد الارتباط بقضية التحقق الحضاري؛ أي بإمكانية أن تتمكن الأنساق الحضارية المختلفة التي يشملها الجنوب من التعبير عن نفسها، وأن تأخذ مكانها على الساحة العالمية: اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، ما يصنع مناخًا جديدًا للحوار بين الحضارات المختلفة.

أعني ذلك الحوار الذي يسمح بالإثراء المتبادل بين الحضارات، ويتيح الفرصة لإبداع أبناء الريف، واكتشاف صيغ جديدة للتعاون والاستثمار في كل مكان، مما يحقق ضمانًا للتنمية المستدامة ورصيدًا لها على مستوى العالم.
 
  

 * الدكتور حامد إبراهيم الموصلي: أستاذ متفرغ بكلية الهندسة، جامعة عين شمس المصرية. رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية. 

هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

References

 

[1] أمين، سمير. مستقبل الزراعة في الجنوب.. رؤية مصرية (الأهرام، 13 يناير 2015).
[2] UNEP. Human Development Report (Oxford University Press, 1998).
[3] منتدى العالم الثالث. عثمان، ماجد. السكان وقوة العمل: الاتجاهات والتشابكات والآفاق المستقبلية حتى عام 2020 (ميريت للنشر والمعلومات، 2002).